أصبح قطاع من الإعلام العربي يتيح الفرصة لشخصيات إسرائيل للتعليق على أحداث تتعلق بالصراع مع إسرائيل مما يبرر مناقشة هذه القضية.
فالمعارضون لظهور شخصيات صهيونية على الشاشات العربية يرون أن إتاحة الفرصة لهم يعد كسرا للحاجز النفسي الذي أحاط بإسرائيل أيام المقاطعة العربية والتي توسعت لتشمل مساحات دولية مجاملة للعرب. وهذا الحاجز النفسي هو أخطر حلقات الصراع خاصة في ضوء ما هو معلوم من شعور اليهود تاريخياً بالاضطهاد وشعورهم في فلسطين بأنهم مغتصبون معتدون تهتز الأرض تحت أقدامهم رغم ادعاءاتهم العلنية بعكس ذلك.
يرى هذا الفريق أيضاً أن الرئيس السادات قد استهان، بقصد أو بغير قصد، بهذه الحقيقة وأعلن أن هذا الستار الحاجر بين العرب وإسرائيل يجب أن يسقط حتى نعالج القضايا الجوهرية بحرية كاملة، ورأى السادات أن زيارته لمدينة القدس، ولا أدرى لماذا زار القدس وليس تل أبيب مادام عازماً على الاعتراف بإسرائيل؟ ولماذا لم يحدد في خطابه أمام الكنسيت أنه يعترف بإسرائيل 1967 بالنسبة لمصر وسوريا وبإسرائيل قرار التقسيم بالنسبة لفلسطين؟، فكانت أولى ثمار هذا العمل هو تحرير إسرائيل من القمقم النفسي الذي وضعها فيه العرب وأصدقاؤهم، فأعطاها جرعة من الاجتراء على الحقوق العربية، وهذا يماثل في أثره تصريح السادات بأن حرب أكتوبر هي آخر حروب العرب ضد إسرائيل اعترافاً منه بأن العرب هم المعتدون البادئون بالحروب، رغم أن إسرائيل لم تكف عن سفك الدماء العربية في فلسطين ولبنان والعراق ومصر والعدوان المتكرر على سوريا.
أما الاعتراض الثاني فهو أن ظهور شخصيات إسرائيلية على الشاشات العربية يحقق هدف إسرائيل في أن تصبح مألوفة في الذهن العربي، مما يقضى على حالة الرفض للكيان بكل مكوناته، كما يتيح هذا الظهور أن تدافع هذه الشخصيات عن المنطق الإسرائيلي حتى يخفف من حقد الرأي العام العربي وهو منطق حافل بالأكاذيب والافتراءات.
الاعتراض الثالث: هو أن هذه الشخصيات تظهر حقدها على الشاشة في تحد مستفز للمشاهدين. وقد رأيت بنفسي عدداً من هذه الشخصيات في حوارات فضائية يؤكدون فيها أنهم كانوا منذ آلاف السنين وسوف يبقون والغلبة لهم.. مما يدفع المتحدث العربي إلى فقدان سيطرته على نفسه إلا من رحم ربك.
على الجانب الآخر، لا يمانع فريق آخر من إتاحة الفرصة أمام شخصيات إسرائيلية رسمية وإعلامية ومعلقين سياسيين وعسكريين على أساس أننا يهمنا أن نسمع منهم مباشرة وليس نقلاً عن وسيط بيننا، كما أن ذلك يسمح بالرد عليهم أحياناً في البرامج الحوارية، ولكن الرد غير وارد في التعليق على الأحداث.
ويرى هذا الفريق أيضاً أنه أحياناً يكون ظهورهم هاماً لاستكمال التغطية أو مناقشة بعض التصريحات الإسرائيلية.
يضيف هذا الفريق أن بعضهم ينتقد إسرائيل وسلوكها إتجاه الدولة العربية.
ولا أعلم إن كانت مراكز قياس الرأي العام قد رصدت وجهات نظر المشاهدين العرب في هذه الظاهرة أم أن البعض منع بالرفض الداخلي دون عرض المسألة لمناقشة علمية؟
ولكن المحقق هو أن ظهور هذه الشخصيات يفيد إسرائيل ويمكن أن يؤثر على قناعات المشاهدين العرب، ولا يستفيد المشاهد العربي شيئاً.
ولماذا لا تطلب إسرائيل من المعلقين العرب التعليق على أحداثها باللغتين الإنجليزية والفرنسية والعربية أيضاً؟ أم أنها تريد حماية مجتمعها من الاختراق الإعلامي والثقافي؟!
هل الأفضل في هذه الحالة أن نطلق العنان للشخصيات الإسرائيلية بحجة الموضوعية من جانب الإعلام العربي، أم تمنع هذه الشخصيات مثلماً يفعل الإعلام الإسرائيلي معنا تحت ستار المعاملة بالمثل، أو نحاول توقى آثار انفتاح مجتمعاتنا على الداخل الإسرائيلي؟!!.. علماً بأن هذه الشخصيات تروج بالقطع للمشروع الصهيوني بشكل أو بآخر؟
الأصل أن الإعلام العربي يدافع عن القضايا العربية، ولكن الموضوعية تعنى عدم اختلاق القصص والأكاذيب على الطرف الآخر، وذلك على عكس الإعلام الصهيونية الذي يعد ركيزة أساسية للمشروع الصهيوني، ولذلك أصبح فناً سياسياً ونفسياً لمساندة هذا المشروع.
فعندما يقول الإعلام العربي: إن شهيدا فلسطينياً سقط بنيران قوات الاحتلال بينما يقول أن شخصاً إسرائيلياً قتل في عملية فلسطينية، فإن الإعلام العربي بذلك يلتزم الموضوعية في نقل الخبر وأنه يعتبر القتلى الفلسطينيين شهداء على أساس أن الشهيد هو من مات دفاعاً عن حقه ودينه.
وإذا نقلت القنوات الإعلامية العربية أخبار المواجهات بين المقاومة والاحتلال والتوغلات في غزة فيجب أن تتفادى الأوصاف والمسميات الصهيونية.
ـــــــــــــــــــــ
د.عبدالله الأشعل (سفير مصري سابق)