الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علمـاء.. ولكـن بلا قلـوب

علمـاء.. ولكـن بلا قلـوب

علمـاء.. ولكـن بلا قلـوب

قال عمر رضي الله عنه:" إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم، قالوا: وكيف يكون منافقا عليما؟ قال: عليم اللسان، جاهل القلب والعمل".

والعالم ذو القلب في سير دائم، لا يحجزه عن المتابعة كبر ولا غرور. وقد جاء في كتاب إتحاف السادة المتقين للزبيري1/343". عن عبد الله بن المبارك قوله: "لا يزال العالم عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه علم فقد جهل".

وانظر إلى الفضيل بن عياض كيف يرثي لحال العالِم الذي تلعب به الدنيا!! قال رحمه الله: "إني لأرحم ثلاثة: عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالِما تلعب به الدنيا". (إحياء علوم الدين 1/99).

وفي وصية جامعة تضيء الطريق لمن يحمل أمانة العلم يقول التابعي العظيم الحسن البصري رحمه الله كما في الإحياء أيضا: "لا تكن ممن يجمع علم العلماء، وطرائف الحكماء، ويجري في العمل مجرى السفهاء".

أما عقوبة الجانحين عن الطريق السوي من هؤلاء: فاستمع إليها في قول الحسن أيضا: " عقوبة العلماء موت القلب، وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة".

ويا لطول ندم أولئك المفرطين ساعة لا ينفع الندم!! سأل سائل إبراهيم بن عيينة فقال: أي الناس أطول ندما؟ فقال إبراهيم رحمه الله: " أما في الدنيا: فصانع المعروف إلى من لا يشكره ـ أي: المعروف ـ وأما عند الموت: فعالم مفرّط".

ولم يكن بدعا ما قاله هؤلاء النصحة الربانيون الأمناء، فهو قبس مشرق في ظل الهدي النبوي الكريم، بيان الفرقان الحكيم. أخرج الترمذي بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعلّم علما لغير الله، أو أراد به غير الله، فليتبوأّ مقعده من النار" قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أيوب إلا من هذا الوجه.

وأخرج أبو داود في سننه في كتاب العلم باب من طلب العلم لغير الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علما مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليُصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرْف الجنة يوم القيامة". يعني: ريحها. معنى: عرضا أي حظا، مالا أو جاها أو منصبا دنيويا.

أعاذنا الله من هذا الذي هو قاصمة الظهر؛ فأي داهية أمرُّ من أن ينقضي العمر في الدنيا مظلّلا بعناوين العلم النافع والمعرفة المنجية، ثم ينكشف الغطاء يوم القيامة.. ينكشف هناك!! حيث تتعرى الحقيقة ماثلة كما هي، فإذا بأناس مطرودين عن دار الكرامة، لا يجدون ريحها الطيبة، ولا ينعمون بما ينعم به أهل الخشية الذين قال الله تعالى فيهم: ( ... إنما يخشى الله من عباده العلماء..) ويتسربلون مذلة التفريط والنفاق التي صحبتهم على أبواب السلاطين في دار التباهي بالنفاق!! فأصبحوا علماء.... ولكن بلا قلوب!!

بلا قلوب.. تثاءبوا على طريق الزمن، وبلا قلوب.. برزوا لله الذي لا تخفى عليه خافية، وبلا قلوب.. حملوا أوزارهم وأوزارا مع أوزارهم، وأنى لمن كانت هذه بضاعته، أن يجد عرف الجنة؟!

إن عرف الجنة طيب للطيبين، وكرامة لأهل الكرامة... إنه للذين أخلصوا دينهم وعلمهم لله، فلم يتوحّلوا بالتلفت إلى هنا وهناك، ولا استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وحملتهم هممهم إلى حيث البعد عن أن يكون عرض الدنيا هو المطلوب، وأن يكون النفاق لذي السلطان هو المرغوب!

اللهم افتح بصائرنا لنور هداك حتى نكون على سواء السبيل، وقوفا عند المراد من قولك في أهل الكتاب: (وإذ أخذ الله ميثاق الذي أوتوا الكتاب لتبيننّه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون).

(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب* ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد).

وصلوات الله وأزكى تسليماته على البشير النذير الذي لم يدع أن يؤدي أمانة التبليغ، بشارة ونذارة على الوجه الذي ينبغي، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته والتابعين لهم بإحسان، ومن اهتدى بهذا الهدى، علما وعملا إلى يوم الدين.
ــــــــــــــــــــــ
المصدر: محمد أديب الصالح

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة