أتيتُ بالحب غرساً طاب مطلَعُه لعـل في روضة المـختار أزرَعُه
وفي الجوانح من وَجْدٍ ومـن وَلَهٍ ما جاش في النفس حتى فاض مُترَعُه
طوَّفْتُ بالبيت سبعاً وانثنيت وما أُعقِبـتُ إلا هُياماً لستُ أُشبِعُه
"عَوْداً إليكِ رحابَ النور" وانعطفتْ للبيتِ أبصارُنـا حَيْرى تودِّعُه
بيتٌ بَنَـتْه يد التقـوى وشيده أبـو النبيـين للأجيال يرفعه
أمجـاده في كتاب الدهر حافلةٌ ثـوبُ الجلال عليه الرب يخلَعُه
تدرَّعت بسياجِ الدين حُـرمَتُه واللـهُ من عَبَث الباغـين يمنعُه
أَوْلاه بالحج تشريفاً وتَكْرِمـة حتى غدت موئل التقديس أَرْبُعُهُ
وكعبة الروح بالتوحيد شاهدةٌ كالشمس تسطع نوراً وهي مَنْبَعُهُ
* * *
"لبيك! لبيك!" ضج الرَّكْبُ وانطلقتْ جموعُـه والنشيد العذب يدفعه
أصداؤه في فجاج الأرض صاخبةٌ والبِيدُ في رَحْبِها نشوى تُرَجِّعُه
ما الصبح ما رِقَّة الأنداء ضاحكةً ما الزَّهْر في الروض أذكاه وأَضْوَعُهُ
أنقى وأجمـلَ مِن تَرْدادِ تلبيـةٍ يشدو بها محرم والكون يسمَعُه
يلـوذ في كَنَف الرحمن ملتجئاً هناك مأواه في الجُلِّي ومَفْزَعُـه
تعلَّقتْ بستار البيت ضارعـةً يداه زاخـرةً بالشوق أضلُعُه
ويَلْثَمُ الحَجَرَ الميمون شاهدةً على تفانيـه في الإيمان أدْمُعُـه
والعاقل الفذُّ بين الناس غايتُـهُ تعلو وليس سراب الأرض يخدَعُهُ
* * *
يا مُحْرِمُون! شعارُ الصالحين على وجوههم للهدى والخير مَنْزِعُه
كأنه من جِنـان الخُلـد مقتَبَسٌ وفي الجِباه يـد الـرحمن تطبعه
يا مُحْرِمون! كيوم البعث مَنْشَرُهُم شَمْلُ البَـرِيَّة هذا اليوم يجْمَعُه
من كلِّ جنس ولون أقبلوا زُمَراً حيث التفاضل للإيمان مَرْجِعُهُ
تجردوا من هوى الدنيا وزُخْرُفِها وكلُّهم في رضاءِ الله مَطْعَمُهُ
مسالمين فـلا بَغْيٌ ولا حرب ولا يُرَاوِدُ جَفْنا مـا يُرَوِّعُهُ
ترى الخيام على ظَهْرِ الرُّبَى نُصبت كالبحر منشورةً للريح أشرُعُهُ
هذِي وُفُودُك يا رحمن قائمةٌ يضُمُّها من جميل العفو أوسَعُه
* * *
في مَهْبِط الوحي كم تنساب ذاكرةٌ تُثِـير في القلب أشجاناً تُلوِّعُهُ
كم في المنازل من طَيْفٍ ومن أَثَرٍ يكاد ينطـق بالأخبار موضِعُه
عَفَتْ عليه الليالي وهو ملتحِفٌ بالصمتِ يسترجع الأحداث بلقَعُهُ
هنا النبي أتـاه الوحي يُبْلِغُـهُ أَمْرَ السماء كاد الأمر يُفْزِعُهُ
وها هنا جلْجَلَت في الناس صيحتُه وجابَهَ الشركَ في صِدْق يُشَنِّعُـهُ
وخاض معركة التوحيد مُعتصِماً بالله لا شيءَ في الدنيا يُزَعْزِعُهُ
وها هنا حطَّم الأصنام فانكفأت مهزومةً وأصاب الكفرَ مصرَعُهُ
وأكمل اللهُ بالإسلام نعـمَتَه كمـا تبيَّنَ للإنسان موقِعُـهُ
وأيُّ دينٍ سوى الإسلام يَقْبَلُهُ عقل إذا ارتاب فالبرهان يُقْنِعُهُ!
لا يَرْفُضُ الحق إلا عبدُ شهوته وغافلٌ أو سقيمُ الرأي أقطَعُهُ
لقد شرُفْنَا به في الناس منـزلةً فما لَنا الـيومَ أمسينا نضيِّعُهُ؟!
ما ضلَّ في الأرض من صحَّت ْعقيدتُهُ ومنـتهى سعيه لله أجْمَعُـهُ
كأنَّـه الشامةُ البيضاءُ ميَّـزَهُ دينٌ عن الإثم والعدوان يَرْدَعُـهُ
قال الرسول"خذوا عني مناسِكَكُمْ" ونحن في مُجْمَلِ الطاعات نَتْبَعُهُ
فاثْبُتْ أخا الروحِ والإيمانِ مقتدياً واسلُكْ سبيلَ الهُدى فيما يُشَرِّعُهُ
***
وفْـدَ الحجيج سلامٌ عاطرٌ عَبِقٌ ربُّ البَـريَّة بالغفران يَشْفَعُهُ
وفْدَ الحجيج ألا فَلْتَذْكُروا أبداً مجـداً لنا غابـراً لابد نُرْجِعُه
لا تتركوا القِبْلَة الأولى ومسجدُها يشكو وكم طال في البلوى تَفَجُّعُهُ
وفْدَ الحجيج متى تمضي مسيرتُنا؟ وحقنا بالكفاح المُرِّ نَنْـزِعُهُ؟!
من ها هنا من ظلال البيت طاهرةً أذيالُـنا مبدأُ التحرير نُزْمِعُهُ
لا لن نعود وفي أرواحنا وَهَنٌ ولن يَضُمَّ خَلَيَّ البال مَضْجَعُهُ
أرواحُـنا للجهاد الحُرِّ ظامئـةٌ وأصعَبُ الشيء بالإقدام أطوَعُهُ
ولا أُجـاوِزُ حقاً إذ أقول لكم: المُستحيلُ بعـون الله نُخْضِعُهُ