لم تكن هذه مقولة صادرة عن وزير الخارجية الدنماركي بيرستيج مولر، فالحكومة الدنماركية إلى يومنا هذا تتحدى جميع مشاعر المسلمين في جميع بلاد العالم، ولازالت تتمسك بموقفها المخزي (في نظر المسلمين على الأقل) في عدم تقديم أي اعتذار بأي صورة على الإهانات التي ألصقتها بجميع مسلمي العالم. ومازالت هذه الدولة تتواقح وتعلن على لسان وزير خارجيتها أنها "لم ترتكب أي كفر في موضوع نشر الصور"، وأن المسلمين حادوا عن الطريق الصحيح في ردة فعلهم، وأن على حكومات الدول العربية إبلاغ شعوبها بما أسماه (الوجهة الصحيحة)، ويطالب وبكل برود بضمان أمن السفارات، ثم يدعو نظراءه العرب (الذين رفض قطعيًا مقابلتهم في بداية الحدث) إلى ما أسماه الحوار السلمي ونبذ العنف.
لا شك أن هذا الموقف غير المسؤول ناتج عن النظرة الازدرائية والانتقاصية للمسلمين، وعلى التعالي في التعامل معنا نحن العرب والمسلمين، ولعل استنكافهم عن الاعتذار ناتج عن استقصاء وتتبع كثير من المواقف العربية والإسلامية في قضايا كثيرة سابقة لم يكن رد الفعل فيها كما ينبغي أو كان لحظيًا وخبى بعد وقت قصير، فحملهم هذا على أن أخذتهم العزة بالإثم، فأبوا الاعتذار وأصروا عليه.
لكننا نقول إن الأمر يختلف هذه المرة، فالمستهزأ به هو أكبر رمز في قلوب المسلمين، وهو أحب الخلق إلى جميع المؤمنين، بل هو أحب إلى كل مسلم من ولده ووالده والناس أجمعين، بل أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأنفسنا التي بين جنوبنا، نفديه بكل ما نملك، وننصره بكل ما نقدر عليه من أسباب النصرة وأنواعها.
وإذا كان هؤلاء السفهاء قد حاربونا في أحب شيء إلينا وهو ديننا ونبينا، فلنحاربهم في أحب شيء إليهم وهو الدينار والدرهم أو الدولار واليورو، فإن القوم أهل دنيا وعباد مال، فمتى حوربوا في اقتصادهم ومدخولهم ومستوى معيشتهم، فبإذن الله سيركعون، وإذا كان المسلم سيصبر ويصابر في مقاطعتهم انتصارًا لدينه ونبيه ولنفسه أيضًا وطلبًا لرضا ربه، فليس عندهم هم ما يصبرون عليه ولا لأجله والأيام بيننا وسنرى.
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً .. ... .. ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وهذا الذي نقوله ليس ضربًا من الخيال ولا شيئًا بعيد المنال، وإنما هو واقع مجرب، ودليله من الواقع تحرك الغرب للتأثير على الحكومات العربية لمحاولة منع المقاطعة الاقتصادية والتجارية، وكذلك القلق الشديد الذي أبدته الشركات الكبرى في الدانمارك مع أولى خطوات المقاطعة، فالخسارة المتوقعة في ستة أشهر – لو صبر المسلمون على المقاطعة – مهولة وتهدد فعلاً اقتصادهم وتضربه في الصميم.
ودليل ذلك أن بعض الحكومات التي تجرأت بعض صحفها بإعادة نشر الصور المشينة، أسرعت في الاعتذار، ففي بولندا قدم وزير خارجيتها ستيفان ميلر اعتذار بلاده على نشر إحدى الصحف المحلية للرسوم الشائنة وقال في مؤتمر صحفي: "باسم وزارة الخارجية وحكومة الجمهورية البولندية اعتذر للمسلمين".
وفي نيوزلندا أدانت رئيسة الحكومة قيام صحيفتين بإعادة نشر الرسوم وقالت: "إن ذلك يمكن أن يعرض بلادها لعقوبات ومقاطعة اقتصادية". وهذا كلام واضح أن القوم ترعبهم تلك المقاطعة، وترغم أنوفهم أحيانًا على قول ما لا يحبون وقبول ما لا يرغبون، فلابد من تفعيل هذه المقاطعة ونشر ثقافتها بين الناس وتذكيرهم بها؛ حتى تؤتى ثمارها، ولتكن على الدنمارك والنرويج دون تشتت في مقاطعات أخرى قد تضعف الأولى، وليعلم الجميع أننا لن نموت إذا قاطعنا منتجات المستهزئين بنبينا صلى الله عليه وسلم، فالبدائل تملأ الأسواق، ومنتجاتهم لا تمثل عصبا للحياة... وهب أننا لو قاطعناها سنموت (ولن يحدث) فما المانع أن نموت في سبيل الله وفي سبيل ديننا، وفي سبيل نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم، فاجعل شعارك "مقاطعة إلى الأبد" وليكن هجيراك "لا أشتري شيئًا صنعته يد أساءت إلى رسول الله" ولن يمر كبير وقت حتى نسمع ما يسرك، وسيأتي الاعتذار الرسمي من الدانمارك كما أتى من بولندا " باسم وزارة الخارجية والحكومة اعتذر للمسلمين".. وتكون قد أديت نذرًا أو شيئًا من حق رسول الله عليك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران:200].