ما تعجز عن تحقيقه الضغوط السياسية قد يكون سهل المنال بالسلاح الاقتصادي، بهذه المقولة يمكن وصف الحالة الدانماركية التي أصرت على موقفها الرافض لتقديم الاعتذار حتى بدأ مؤشر الخسارة بالارتفاع وبشكل متزايد.
ولعل هذا ما دفع كبرى الشركات الدانماركية لتصنيع الأجبان والألبان (أرلا) "ARLA " للاستغاثة والتوسل للحكومة كي تحل هذه المعضلة التي قدروا أن الخاسر الوحيد فيها هو المواطن الدانماركي عبر انخفاض صادرات البلاد لمنطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق أكد المدير العام للشركة الدانماركية السويدية "أرلا" بادر تيبرغ أن المقاطعة الإسلامية للدانمارك ضربت عصب الشركة بدول الخليج العربي، حيث تراوحت الخسارة بشكل يومي في السوق السعودي وحده بين 5 و10 ملايين كرون دانماركي (0.81 إلى 1.6 مليون دولار).
ويتوقع تتفاقم الخسائر التي ستتكبدها الشركة جراء استمرار المقاطعة بالمنطقة بصفة عامة، لتتجاوز 3 مليارات كرون سنويا (488 مليون دولار).
ومن جهته يؤكد الخبير الاقتصادي بمصرف يسكه الدانماركي كلاوس بيرن ينسن أن آلاف فرص العمل مهددة بسبب المقاطعة، وسيكون الوضع تراجيديا إذا طال أمد مقاطعة البضائع الدانماركية بمنطقة الشرق الأوسط، وهذا يعني أن هذه السياسة يمكنها أن تهز الاقتصاد الدانماركي على المدى الطويل في حال تعذر إيجاد أسواق بديلة.
ويضيف الخبير أن خسارة مليار كرون من أموال الصادرات سيكلف الدانمارك خسارة 1400 فرصة عمل داخل سوق العمل، مضيفا أن مداخيل صادرات الدانمارك وأرباحها السنوية من منطقة الشرق الأوسط تتجاوز 5 مليارات كرون دانماركي سنويا (813 مليون دولار).
ويؤكد أنه في حال طال أمد المقاطعة وتوقف صادرات منتجات الحليب فقط، سيفقد 4000 فرصة عمل بالإضافة إلى خسارة تقدر بحوالي 2.4 مليار كرون في هذا القطاع وحده.
وتصدر الدانمارك الآلات بجميع أنواعها إلى منطقة الشرق الأوسط، في حين يعتمد اقتصادها على صادرات المواد الغذائية التي تشمل الأجبان والألبان والحليب.
تداعيات المقاطعة
وفي محاولة من الصحافة الدانماركية لمتابعة تداعيات أزمة المقاطعة الإسلامية ومدى تأثيرها على اقتصاد البلاد نشرت الصحيفة ذاتها التي عرضت الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم تقريرا اقتصاديا مطولا أقرت فيه بتأثر صادرات الدانمارك للدول العربية، إلا أنها قالت إن "المقاطعة لن تهز اقتصاد الدانمارك الداخلي".
لكن المختصة في أسواق الصرف والعملات بثينة جرار رفضت بشدة فكرة عدم تأثير المقاطعة على الاقتصاد الدانماركي، وقالت في حديث مع الجزيرة نت "إنه لو لم تؤثر المقاطعة لما لجأت الحكومة مع الصحيفة لتقديم الاعتذار ولو بشكله الذي ظهر ورفضته قطاعات كبيرة من العالم العربي".
وأوضحت المحللة المتابعة للعمليات التجارية بالبورصة العالمية أن الدانمارك تعتمد ضمن ما تعتمد في ازدهار اقتصادها على قطاعي الزراعة والصناعة وخاصة المواد التموينية، وستتأثر سوق العمل داخل البلاد بتأثر هذين القطاعين الحيويين.
وأكدت بثينة أن للمقاطعة الشعبية في الدول العربية والإسلامية أثرها المباشر على الاقتصاد الدانماركي، وهو مرشح للتفاقم ما لم تخرج الحكومة من الأزمة السياسية مع العالم الإسلامي، أو بخلق طرق ووسائل عن طريق إيجاد البدائل الاقتصادية، أو معالجتها ضمن إطار الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن سلاح المقاطعة سيكون أكثر فتكا بالاقتصاد الدانماركي إذا تبنت الحكومات العربية ذلك السلاح ولم يقتصر على المقاطعة الشعبية التي أثبتت أنها سلاح فعال ومؤثر، مؤكدة أن الخسائر التي بدأت تمنى بها سوق العمل الداخلي أجبرت المعنيين على اتخاذ مواقف أكثر ليونة.