الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحاصل من السؤال أنك وكلت صديقك في إيصال المبلغ إلى أهلك في البيت الذي يقيمون فيه، وأذنت له أن يوكل أباه في ذلك، وكلا الأمرين جائز عند جماهير الفقهاء.
قال في درر الحكام -وهو حنفي-: كما أن للوكيل بإيفاء الديون أن يوفيها بنفسه فله أن يوفيها بواسطة أمينه أما غير أمينه فليس له أن يوفيها بواسطته، فلو قال أحد لآخر: أعط هذه النقود لدائني فلان وأرسل الوكيل المبلغ المذكور مع أحد ليس بأمين له وتلف ذلك المال في يد ذلك الشخص بعد المفارقة لزم الوكيل الضمان، لكن إذا كان ذلك الشخص أميناً للوكيل فليس له أن يضمن الوكيل. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: إذا أذن الموكل في التوكيل، فوكل، كان الوكيل الثاني وكيلا للموكل، لأنه لا ينعزل بموت الوكيل الأول، ولا عزله، ولا يملك الأول عزل الثاني، لأنه ليس بوكيله. انتهى.
والأصل في الوكيل أنه مؤتمن فلا يضمن ما وكل فيه إلا بتعد أو تفريط، والظاهر من السؤال أن صديقك قد فرط بمخالفة أمرك وشرطك في إيصال المبلغ إلى البيت الذي تعيش فيه أسرتك، مما أدى إلى ضياعه، وهذا يوجب ضمانه للمال الضائع إلا إذا تنازلت له عنه طوعا منك.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: الأصل في الشروط اعتبارها ما أمكن، وإذا كان القيد مفيدا كان يمكن الاعتبار فيعتبر، لقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام (المسلمون عند شروطهم) فيتقيد بالمذكور ويبقى مطلقاً فيما وراءه على الأصل المعهود في المطلق إذا قيد ببعض المذكور، إنه يبقى مطلقاً فيما وراءه، كالعام إذا خص منه بعضه، إنه يبقى عاما فيما وراءه، وإن لم يكن مفيداً لا يثبت بل يبقى مطلقاً، لأن ما لا فائدة فيه يلغو ويلحق بالعدم. انتهى.
أما صديقك فيرجع على أبيه بالمال إذا كان أبوه قد فرط في التحري، وتفريط الأب هنا واضح، وذلك بعدم التأكد من الشخص الذي أعطاه المال، وكذلك بعدم الإشهاد عليه.
قال في التاج والإكليل وهو مالكي: إذا وكله بأن يقضي عنه دينا أو يودع له مالا لم يكن له أن يدفع ذلك إلا ببينة، فإن دفعه بغير بينة ضمن. انتهى.
وقال في الإنصاف وهو حنبلي: وإن وكله في قضاء دين، فقضاه ولم يشهد، وأنكر الغريم ضمن. هذا المذهب بشرطه، وعليه أكثر الأصحاب، كما لو أمره بالإشهاد فلم يفعل. انتهى.
وفي تحفة المحتاج -وهو شافعي-: (ولو) أعطاه موكله مالا و (وكله بقضاء دين) عليه به (فقال قضيته وأنكر المستحق) دفعه إليه (صدق المستحق بيمينه)، لأن الأصل عدم القضاء فيحلف ويطالب الموكل فقط (والأظهر أنه لا يصدق الوكيل على الموكل) فيما قال (إلا ببينة) أو حجة أخرى، لأنه يدفع لمن لم يأتمنه فكان حقه إما الإشهاد عليه، ولو واحداً مستوراً، وإما الدفع بحضرة الموكل نظير ما مر آخر الضمان. انتهى، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35647، 18433، 19455.
والله أعلم.