الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أهل السنة هم الأمة الوسط بين أهل الإسلام، فهم وسط بين أهل الغلو والجفاء، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد النهي عن الغلو في إطرائه، فقال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله. رواه البخاري.
واعتقاد أن الله ما خلق الأرض وما عليها إلا بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذب وافتراء وغلو قبيح لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فلقد ذكر الله تعالى في كتابه أن الله خلق الخلق لأجل عبادته وتوحيده لا لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}، وانظر الفتوى رقم: 9650، والفتوى رقم: 7565.
وكذلك القول بأن الدين يحتاج إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه عبارة مجملة، فإن كان المراد أن الله بحكمته جعل الواسطة بينه وبين عباده في تبليغ الشرائع هي رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإن هذا المعنى صحيح، قال الله تعالى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً {النساء:79}، وقال أيضاً: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ {المائدة:67}، وقال تعالى: وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {النور:54}.
فالرسالة إذن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي تكليف وتشريف وليست تشريفاً فقط.
وأما اعتقاد أن الله مفتقر لعبد من عباده ومحتاج إليه في تبليغ دينه فهذا كفر بواح وإساءة أدب مع الله جل وعلا وتعالى، وهذا ولتعلم أن التحذير من الغلو لا يعني نفي الحقوق التي للرسول صلى الله عليه وسلم على أمته والتي يجب عليهم أداؤها، وانظر طائفة منها في الفتوى رقم: 42977. وطالع كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض.
والله أعلم.