الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذه الجمعية الخيرية الأصل فيها أنها وكيل في التصرف فيما يرد إليها من أموال، والأصل في الوكيل أن لا يتصرف إلا في حدود ما أذن له موكله، فإذا شرط الموكل شرطاً وجب عليه الالتزام بشرطه ولم تجز له مخالفته، وتراجع الفتوى رقم: 10139.
وإذا لم يشترط الموكل شرطاً معيناً، جاز للوكيل التصرف بما تقتضيه المصلحة، وهذه القاعدة ينبغي التنبه لها، وكذا ينبغي التنبه إلى أن الواجب اختيار من عرف عنهم الدين والورع للعمل في هذه الجمعية والقيام عليها حتى تراعى الضوابط الشرعية في إنفاق أموالها.
وبخصوص ما ورد من أسئلة حول بعض المسائل المتعلقة بالجمعية الخيرية، فيمكن تلخيصها فيما يلي:
أولاً: استقطاع نسبة من المبلغ المتبرع به لتغطية المصاريف الإدارية، وهذا لا حرج فيه إن شاء الله، إذا لم يكن بالإمكان تحصيله من غيرها، على أن يكون ذلك بقدر الحاجة، ولا يلزم إخبار المتبرع بذلك، وتراجع الفتوى رقم: 3699.
ثانياً: إعطاء العاملين على جمع التبرعات أجرة من هذا المال أو نسبة منه، وهذا لا حرج فيه أيضاً، وتراجع الفتوى السابقة.
ثالثاً: استثمار الأموال، فإن كانت أموال زكاة فلا يجوز استثمارها، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 10019، وإن كانت أموال تبرعات فيجوز استثمارها إذا كان ذلك أصلح للفقراء والمحتاجين ولم يكن هنالك من الفقراء من هو في حاجة لها.
رابعاً: إقراض هذه الأموال بفائدة ربوية، وهذا لا يجوز وكذا لا يجوز وضعها في بنوك ربوية من أجل الفوائد، أو لأجل غرض آخر من غير ضرورة، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 942.
وأما إقراضها قرضا حسناً لبعض الموظفين أو لدفع الرسوم الدراسية لبعض الطلاب فلا يجوز، لأن من كان محتاجاً منهم، فهو مستحق لها بلا قرض، ومن لم يكن محتاجاً لها فلا يجوز إعطاؤه منها.
خامساً: قبول تبرعات البنوك الربوية، يجوز، لأن المال المحرم سبيل التخلص منه إنفاقه في أعمال البر، وأما أخذ فوائد البنوك الربوية ممن تاب وأراد التخلص منها فلا حرج فيه إن شاء الله، والواجب صرفها في وجوه الخير المختلفة، وكذا يجوز أخذ ما يتبرع به الكفار من أهل الكتاب أو غيرهم، إذا أمنت المفسدة في ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 12267.
سادساً: كتابة سند قبض للتجار المتبرعين بأكبر من القيمة الفعلية، وهذا لا يجوز، لأن في ذلك إخباراً بخلاف الواقع، وهذه هي حقيقة الكذب.
سابعاً: الاستقطاع من أموال التبرعات لإقامة أنشطة، وهذا يجوز ما دامت تتحقق به مصلحة، ولا يفوت مصلحة أعظم، ولا يلزم إخبار المتبرع بذلك، ما دام لم يشترط شرطاً معيناً.
ثامناً: وضع لوائح تنظم العمل الداخلي، وهذه لا حرج فيها إن شاء الله ما دام ذلك يؤدي إلى تحقيق المقصود، وأما العقوبة المالية فلا ينبغي الإقدام عليها في حق من غاب عن الأنشطة، إذ الغالب حاجة المكفول لهذا المال.
تاسعاً: دفع جوائز للفائزين من أموال الزكاة لا يجوز، لأن للزكاة مصارف محددة من قبل الشرع، فلا يجوز تعديها، وتراجع الفتوى رقم: 3962.
عاشراً: إعطاء جزء من المواد العينية لموظفي الجمعية، لا حرج فيه إن شاء الله إن كان أحدهم محتاجاً، وكذا إن لم يكن محتاجاً، ما دام ذلك تتحقق به مصلحة العمل، ويجوز كذلك صرف مكافآت للموظفين، أو بدل عمل إضافي، لنفس التعليل السابق.
الحادي عشر: هلاك بعض مال الجمعية بسبب بعض الموظفين، فإن كان ذلك دون تعد أو تفريط فلا يضمن، وإن كان بتعد أو تفريط فإنه يضمن، لأن يده في ذلك يد أمانة، وتراجع الفتوى رقم: 31745.
الثاني عشر: الاحتفاظ بكفالة أيتام غير مشروطة، فالأصل فيه عدم الجواز، إذ الغالب أن حاجة المتبرع المبادرة بإنفاق المال، ولكن إن وجدت مصلحة راجحة فلا حرج إن شاء الله في الاحتفاظ بها.
الثالث عشر: استبدال الكفالة النقدية بمواد عينية، وهذا جائز إذا كان أصلح للفقير أو اليتيم، وما دام لا يخالف شرط المتبرع، وقد قال الله تعالى عن الإيتام: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:220].
الرابع عشر: عمل إفطارات جماعية للمحسنين بهدف جمع التبرعات منهم، وهذا لا حرج فيه إن شاء الله، ما دام تترتب عليه مصلحة أعظم.
الخامس عشر: إكرام ضيوف المؤسسة من أموالها، فيجوز بما جرى به العرف دون مغالاة، وكذا القول في إنفاق جزء منها في الاجتماعات الإدارية التي تقتضيها مصلحة العمل، وحاصل الأمر في أمر هذه الجمعية أن ينظر القائمون عليها ما هو أصلح للمتبرعين بهذه الأموال، وما هو أصلح للفقراء والمحتاجين وأن يتقوا الله تعالى فيما ولاهم الله تعالى عليه.
والله أعلم.