الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلابد من التفريق بين الهبة المطلقة، والهبة التي في معنى الوصية، فالهبة المطلقة تمليك ناجز، وأما الهبة التي في معنى الوصية، فهي تمليكٌ معلق بموت الواهب، وفي حكمها: الهبة في مرض الموت.
فإن كان السائل يريد تعليق تمليك الموهوب لزوجته، إن مات قبلها، فهذه وصية لا تجوز لوارث.
وأما إن كان السائل يريد أن يُملِّك زوجته شيئا من ماله تمليكا ناجزا في حال صحته، تحوزه الزوجة، وتتمكن من التصرف فيه بالبيع، والهبة، وغير ذلك من التصرفات؛ فلا حرج في ذلك من حيث الأصل. فإن فعل ذلك، فماتت زوجته قبله كانت الهبة لورثتها هي، وليس للزوج منها، إلا سهمه من ميراث زوجته، بخلاف من يهب زوجته شيئا من ماله في حال مرضه وخوف وفاته، فهذا على الراجح له حكم الوصية، كما سبقت الإشارة إليه.
جاء في حاشية الشرواني على «تحفة المحتاج»: الكلام في التبرعات المنجزة في مرض الموت، أو المعلقة بالموت، أما ما نجزه في الصحة، فينفذ مطلقا، ولا حرمة، وإن قصد به حرمان الورثة. اهـ.
وقال علاء الدين ابن عابدين في تكملة رد المحتار (قرة عيون الأخيار): قوله: (لو وهب في صحته كل المال للولد)، أي وقصد حرمان بقية الورثة، كما يتفق ذلك فيمن ترك بنتا وخاف مشاركة العاصب. قوله: (جاز)، أي صح لا ينقض. اهـ.
وراجع في ذلك الفتوى: 484420، وما أحيل عليه فيها.
وإذا كان الموهوب للزوجة هو الدار التي يسكنها الزوج، ففي صحة ذلك خلاف، وتفصيل لأهل العلم، سبق ذكره في الفتويين التاليتين: 326755، 404806.
وأما ما ذكره السائل من بيع شقته لزوجته، فالظاهر أنه يريد بذلك بيعا صوريا دون أن تبذل الزوجة ثمن الشقة، فإن كان كذلك، فهو في حكم الهبة، بل لو كان بيعا حقيقيا، ولكنه حاباها في الثمن، لكان قدر المحاباة في حكم الهبة، قال القرافي في «الذخيرة»: حكم المحاباة حكم الهبة. اهـ.
وقال الماوردي في «الحاوي الكبير»: قدر المحاباة في حكم الهبة، وما لا محاباة فيه بيع. اهـ.
والله أعلم.