الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن زيارة الأرحام من جملة الصلة، ولكن ليست الصلة مقتصرة عليها، فإن كنت لا تزور أرحامك، ولكن تحسن إليهم، وتعينهم في نوائب الدنيا، وتسأل عنهم، ولو بالاتصال، وتوصل إليهم إحسانك بأي طريق؛ فهذا من الصلة أيضًا، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وَأَمَّا صِلَةُ الرَّحِمِ فَهِيَ: الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ، عَلَى حَسَبِ حَالِ الْوَاصِلِ وَالْمَوْصُولِ، فَتَارَةً تَكُونُ بِالْمَالِ، وَتَارَةً بِالْخِدْمَةِ، وَتَارَةً بِالزِّيَارَةِ، وَالسَّلَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري: صِلَةُ الرَّحِمِ بِالْمَالِ، وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَةِ، وَبِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَبِالدُّعَاءِ، وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ: إِيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الشَّرِّ، بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. اهــ
وقد بينا في فتاوى سابقة أن أدنى الصلة ترك المهاجرة، وانظر الفتوى: 7683 في كون المرجع في صلة الرحم إلى عرف المجتمع، والفتوى: 18350 في أدنى درجات صلة الرحم.
وليس للقريب الذي تشرع صلته حد أدنى، والقريب يوصل سواء كان صغيرًا أم كبيرًا، وقد اختصم عليّ، وزيد، وجعفر -رضي الله عنهم- في أخذ بنت حمزة -رضي الله عنه-، وكفالتها، وكانت صغيرة، فحكم بها النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر؛ لأن خالتها زوجته، والقصة في صحيح البخاري.
والشاهد أنهم اختصموا في الحرص على صلة رحم طفلة صغيرة، قال الحافظ في الفتح: وَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا تَعْظِيمُ صِلَةِ الرَّحِمِ، بِحَيْثُ تَقَعُ الْمُخَاصَمَةُ بَيْنَ الْكِبَارِ فِي التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا. اهــ.
والله أعلم.