الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يكاد العجب أن ينقضي من ملحد يردد دائما: (الله يكرهني أنا أشعر بذلك، أريد الانتحار، وأخاف أن أعذب دائما في النار)! فإن من يخاف عذاب الله، ويشعر ببغض الله له، ليس علاجه أن يكفر بالله، فيزداد منه بعدا، ويخلد في العذاب. وإنما علاجه أن يبحث عن الحق الذي يثبت إيمانه بالله أولا، ويزيل عنه شبه الكفر، وأدران الإلحاد، ثم يعلم أن الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها. فإذا أسلم، وحسن إسلامه، وتاب إلى الله، فقد ابتدأ حياته كأنما ولد من جديد، وإن مات على هذه الحال صدق عليه قول الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان: 68 - 71].
فههنا ذكر أعظم الكبائر والموبقات، من الكفر، والشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، واقتراف فاحشة الزنا، وتوعدهم بمضاعفة العذاب والخلود فيه، ثم استثنى التائب، ووعده بتبديل سيئاته حسنات. فهذا هو السبيل الصحيح لتصحيح المسار، والنجاة من عذاب الله، والفوز برضوانه، يتلخص في: الإيمان بالله، والتوبة النصوح، والعمل الصالح.
فالحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، القائل سبحانه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 110].
وأما بالنسبة للسائلة، فلتحمد الله أولا على إسلامها، ولتقدر هذه النعمة قدرها، ثم لتعلم أن الله تعالى حكم عدل، لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء:40]، لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]. فإن خذل أحدا ولم يهده، فبما كسب وجنته يداه. ولا يهلك على الله إلا هالك؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه مسلم).
وإذا شق عليها حال قريبها، فلتتذكر حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع عمه أبي طالب، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصا على هدايته، ودعوته للإيمان، وتوحيد الله تعالى، حتى آخر رمق في حياته، إلا إنه اختار الشرك على التوحيد، والكفر على الإيمان، ومات على ملة أبيه عبد المطلب. وفيه نزل قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص: 56].
قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى أنك يا محمد -وغيرك من باب أولى- لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق: هداية للتوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد الله سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله. اهـ.
ومع ذلك فلتجتهد الأخت السائلة في تعلم الحق وبيانه لقريبها هذا، ودعوته إليه، وترغيبه فيه، ولتستعن بالله تعالى، ولتكثر من الدعاء له بالهداية، وشرح الصدر للحق. وقد سبق لنا بيان بعض المراجع المتخصصة في مناقشة مسائل الإلحاد وأسبابه وشبهاته، فراجعي الفتويين: 365854، 304762.
فإن عجزت عن ذلك لقلة علمها، فيمكنها أن تنصحه بأن يتواصل مع أحد المتخصصين في قضايا الإلحاد، ممن لديهم العلم والخبرة الكافية في هذا الباب، وهذا الأمر متوفر الآن عن طريق المواقع والصفحات المتخصصة على الإنترنت.
والله أعلم.