الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما مسألة دعاء الصفات، فهي ممنوعة؛ لأن الصفة غير الموصوف، وإن كانت هي وصفه، وقد تكون لازمة، وغير لازمة، لكن هي بلا شك غير الموصوف، ومن ثم؛ فدعاؤها ونداؤها يشعر بكون الصفة بائنة عن الله تعالى، مستقلة عنه، وهذا هو وجه كونه شركًا، وانظر الفتويين: 208672، 130719.
وقال الشيخ بكر أبو زيد في (معجم المناهي اللفظية) تعليقًا على عبارة: (يا رحمة الله)، قال: هذا من باب دعاء الصفة، والدعاء إنما يُصرف لمن اتَّصف بها سبحانه؛ لهذا فلا يجوز هذا الدعاء، ونحوه: يا مغفرة الله، يا قدرة الله، يا عزة الله، وليس له تأويل، ولا محمل سائغ، وهو دعاء محدث لا يعرف في النصوص، ولا أدعية السلف، وإنما المشروع هو: التوسل بها، كما في الحديث: برحمتك أستغيث، ونحوه، وقد غلَّظ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- النهي عن الدعاء بالصفة، وقال: إنَّه كُفر.
ولا يُسوِّغُ الدعاء بالصفة، جوازُ الحلفِ بها، فإن الحلف بها من باب التعظيم، أما الدعاء، فهو عبادة، والعبادة لا تصرف إلا لله تعالى، فكيف تُعبد صفته - سبحانه - فتُدعى؟ ومما تقدم نعلم الأحوال الثلاث:
1. دعاء الصفة: لا يجوز؛ لأن الدعاء عبادة، والعبادة لا تصرف إلا لله سبحانه.
2. التوسل إلى الله بصفاته أو بصفة منها: مشروع، كما وردت به السنة، وأدعية السلف.
3. الحلف بها: جائزة؛ لأنه من باب التعظيم لله سبحانه. اهـ. فهذا في الصفات العلى.
وأما الأسماء الحسنى، فالأمر مختلف، لأن أسماء الله تعالى في باب الدعاء هي المسمى، فلا يتصور دعاء اسم دون مسماه، فمن يدعو اسم الله تعالى، فمراده دعاء الله، كمن يسبح اسم الله، ويتبرك باسم الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الاسم يتناول اللفظ، والمعنى المتصور في القلب، وقد يراد به مجرد اللفظ، وقد يراد به مجرد المعنى، فإنه من الكلام، والكلام اسم للفظ والمعنى، وقد يراد به أحدهما؛ ولهذا كان من ذكر الله بقلبه، أو لسانه، فقد ذكره، لكن ذكره بهما أتم. والله تعالى قد أمر بتسبيح اسمه، وأمر بالتسبيح باسمه، كما أمر بدعائه بأسمائه الحسنى؛ فيدعى بأسمائه الحسنى، ويسبح اسمه، وتسبيح اسمه هو تسبيح له؛ إذ المقصود بالاسم المسمى؛ كما أن دعاء الاسم هو دعاء المسمى، قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، والله تعالى يأمر بذكره تارة، وبذكر اسمه تارة؛ كما يأمر بتسبيحه تارة، وتسبيح اسمه تارة؛ فقال: {اذكروا الله ذكرا كثيرا}، {واذكر ربك في نفسك}، وهذا كثير، وقال: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا}، كما قال: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه}، {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}، {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} ... وقوله {فله الأسماء الحسنى}، يقتضي أن المدعو واحد، له الأسماء الحسنى، وقوله: {ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} - ولم يقل: ادعوا باسم الله، أو باسم الرحمن - يتضمن أن المدعو هو الرب الواحد بذلك الاسم، فقد جعل الاسم تارة مدعوًّا، وتارة مدعوًّا به في قوله: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، فهو مدعوّ به، باعتبار أن المدعو هو المسمى، وإنما يدعى باسمه، وجعل الاسم مدعوًّا باعتبار أن المقصود به هو المسمى، وإن كان في اللفظ هو المدعو المنادى، كما قال: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن،} أي: ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم، والمراد إذا دعوته هو المسمى؛ أي الاسمين دعوت ومرادك هو المسمى: {فله الأسماء الحسنى}. اهـ.
وهذه المسألة لها علاقة وثيقة بمسألة مشهورة، وهي مسألة الاسم والمسمى، وليس هذا موضع تفصليها، ويمكنك الرجوع للوقوف على تفاصيلها لكتاب: (معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى:265 -311) للدكتور محمد التميمي.
وقال الشيخ علوي السقاف في كتابه: (صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة): أسماء الله عَزَّ وجَلَّ وصفاته تشترك في الاستعاذة بها، والحلف بها، لكن تختلف في التعبد، والدعاء، فيتعبد الله بأسمائه، فنقول: عبد الكريم، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، لكن لا يُتعبد بصفاته؛ فلا نقول: عبد الكرم، وعبد الرحمة، وعبد العزة؛ كما أنه يُدعى اللهُ بأسمائه، فنقول: يا رحيم، ارحمنا، ويا كريم، أكرمنا، ويا لطيف، الطف بنا، لكن لا ندعو صفاته، فنقول: يا رحمة الله، ارحمينا، أو: يا كرم الله، أو يا لطف الله؛ ذلك أن الصفة ليست هي الموصوف؛ فالرحمة ليست هي الله، بل هي صفةٌ لله، وكذلك العزة، وغيرها؛ فهذه صفات لله، وليست هي الله، ولا يجوز التعبد إلا لله، ولا يجوز دعاء إلا الله؛ لقوله تعالى: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]، وقوله تعالى {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وغيرها من الآيات. اهـ.
وأما الحديث المذكور: (باسم الله الذي .. )، فهو من باب التوسل، والاستعانة، والاستعاذة، ومن باب التعظيم، والتبرك بأسماء الله جل وعلا، قال القاري في شرحه: (بَاسِمِ اللَّهِ) أَيْ: أَسْتَعِينُ أَوْ أَتَحَفَّظُ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ بِاسْمِ اللَّهِ، (الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ) أَيْ: مَعَ ذِكْرِ اسْمِهِ، بِاعْتِقَادٍ حَسَنٍ، وَنِيَّةٍ خَالِصَة. اهـ.
وقال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: والمعنى: أذكر اسمه على وجه التعظيم، والتبرك. اهـ.
وقال الدكتور عبد الرزاق البدر في فقه الأدعية والأذكار: أي: مَن تعوَّذ باسم الله، فإنَّه لا تَضرُّه مُصيبةٌ من جهة الأرض، ولا من جهة السماء. اهـ.
والله أعلم.