الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على الخير ورغبتك فيه، والمفتى به عندنا أن زكاة الفطر تختص بالفقراء والمساكين، كما رجحناه في الفتوى رقم: 127941، ويكفي غلبة الظن بكون الشخص مستحقًّا للزكاة، ولا يشترط اليقين في ذلك، كما بيناه في الفتوى رقم: 303886، ويجوز لك أن تعطي الفقير الواحد زكاة عدة أشخاص في قول جمهور أهل العلم، وهو المفتى به عندنا في الفتوى رقم: 139845، ولم نجد من أهل العلم من أوجب أن يُسأل من ظُنَّ فيه الفقر هل أخذت الزكاة من شخص آخر أم لا؟ وقد ذكرنا أنه لو دفعها لشخص ظنه فقيرًا فبان غنيًّا أجزأه على الصحيح، كما في الفتوى رقم: 141138، ولا شك في أن ما فعلته مما يحصل به الظن الغالب باستحقاق من دفعت إليه من زكاة الفطر، فلا يلزمك أن تسأل من تعطيه من زكاة الفطر إن كان أخذ من غيرك أو لا.
وأما مقدار ما يُعطاه الفقير من الزكاة: فقد اختلف فيه العلماء؛ فمنهم من قال يعطى كفاية سنة، ومنهم من قال يعطى كفايته على الدوام -كما هو مذهب الشافعية-، قال النووي -رحمه الله-:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَدْرِ الْمَصْرُوفِ إلَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ: يُعْطِيَانِ مَا يَخْرُجُهُمَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْغِنَى، وَهُوَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الكفاية على الدوام، وهذا هو نص للشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الصَّحَابِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ. وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ. وَرَجُلٌ أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ. فَمَا سِوَاهُنَّ من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتًا. رواه مسلم. انتهى.
وإذا علمت هذا؛ فإن كنت أعطيت الفقير كفايته لسنة فقد أحسنت، وإن زدت على ذلك أجزأ عند الشافعية كما بيّنّا، وعلى القول بأنه لا يعطى إلا قدر كفايته لسنة؛ فإنه لو أعطي من القيمة ما يسدّ حاجته لسنة لم يعط من غيرها؛ لأن الجميع زكاة واجبة، هذا حيث قلنا بإجزاء القيمة كما هو قول بعض أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام إن كانت فيه مصلحة للفقير، وراجع لبيان حدّ الفقير والمسكين الذي يعطى من الزكاة الفتوى رقم: 128146.
والله تعالى أعلم.