الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجمهور العلماء يُجيزون العمل بالضعيف في الفضائل -ومنها هذه المسألة- بشروط ذكرناها بالفتويين: 41058، 19826.
وعامة ما جاء في الرسالة صحيح، ولكن استوقفنا منها أشياء:
أحدها: قوله: (ما ذكر الميت الصدقةَ إلا لعظيم ما رأى من أثرها بعد موته)، فهذه عبارة غير صحيحة؛ فالآية في المحتضر، وليست في الميت، وليس فيها أنه رأى فضل الصدقة، بل ظاهرها أنه رأى أمارات تقصيره؛ جاء في تفسير ابن كثير عند تفسيره لقول الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100): يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت، من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى، وقيلهم عند ذلك، وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا، ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته؛ ولهذا قال: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا}، كما قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 11،10]. وانظري الفتوى رقم: 244069.
وأما تخصيص الصدقة في الآية: فقد يكون لعلة غير ما جاء في الرسالة؛ قال د/ فاضل السامرائي: ويلاحظ أنه قدم الصدقة على الصلاح مع أن الصلاح أهم؛ وذلك لأن الله قد أمر في الآيات السابقة بالإنفاق، ونهى عن الانشغال بالأموال عن طاعته ... بتصرف من كنوز قرآنية. د/ هشام عبد الجواد.
ثانيًا: قوله: (الصدقة أفضل الأعمال الصالحات). هذه العبارة فيها نظر، ويمكن أن تُصاغ بلفظ: الصدقة من أفضل الأعمال الصالحة.
وراجعي الفتويين: 158421، 102104.
ثالثًا: جملة: (تسد سـبعـين بابًا من السوء في الدنيا). ورد في ذلك حديث، لكنه لم يصح؛ أخرجه الخطيب في تاريخه، وابن الجوزي في البرّ والصلة، ولفظ الخطيب: "الصدقة تمنع سبعين نوعًا من أنواع البلاء، أهونها الجذام والبرص". وضعفه العراقي في تخريج الإحياء، والصنعاني في التنوير، والألباني في ضعيف الجامع.
رابعًا: قوله: (الصدقة تمنع الحـرق ، والغـرق). هذا قد ورد في حديث أخرجه ابن طولون في "الأحاديث المائة" (83): من طريق: موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تدفع الصدقة الهم والدبيلة والغرق والحرق والهرم والجنون ..."... فعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعين بابًا من الشر. وهذا حديث لا يصح، وإسناده تالف.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 131976.
والله أعلم.