الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا سبب هجرة اليهود إلى المدينة المنورة في الفتوى رقم: 230302.
وأما وقت ذلك: فقال ابن كثير في المختصر في تاريخ البشر: قال صاحب الأغاني: كان السبب في سكنى اليهود خيبر وغيرها من الحجاز، أن موسى ـ عليه السلام ـ أرسل جيشاً إِلى قتال العمالقة أصحاب خيبر ويثرب وغيرهما من الحجاز وأمرهم موسى ـ عليه السلام ـ أن يقتلوهم، ولا يبقوا منهم أحداً، فسار ذلك الجيش وأوقع بالعمالقة، وقتلوهم واستبقوا منهم ابن ملكهم، ورجعوا به إِلى الشام، وقد مات موسى عليه السلام، فقالت لهم بنو إِسرائيل قد عصيتم وخالفتم، فلا نأويكم، فقالوا: نرجع إِلى البلاد التي غلبنا عليها وقتلنا أهلها، فرجعوا إِلى يثرب خيبر وغيرها من بلاد الحجاز، واستمرت اليهود بتلك البلاد حتى نزلت عليهم الأوس والخزرج، لما تفرقوا من اليمن بسبب سيل العرم، وقيل إِن اليهود إِنما سكنوا الحجاز لما تفرقوا اليمن حين غزاهم بخت نصر وخرب بيت المقدس. والله أعلم.
وقال ابن الجوزي في المنتظم: وَقَدْ حكى أَحْمَد بْن جَعْفَر المنادي: أَن موسى بَعْد هلاك فرعون وطئ الشام، فأهلك مَا بها من الكُفَّار، وبعث بعثا إِلَى الحجاز وأمرهم أَن لا يستبقوا مِنْهُم أحدا، فقدموها فرزقهم اللَّه الظفر فقتلوا العمالقة، وكانوا بيثرب حَتَّى انتهوا إِلَى ملكهم الَّذِي كَانَ يقال لَهُ: الأرقم قيما فقتلوه، وأصابوا ابنا لَهُ شابا لَمْ ير أَحْسَن منه، فضنوا بِهِ عَنِ القتل، وأجمع رأيهم على أَن يسحبوه حَتَّى يقدموا بِهِ عَلَى موسى فيرى فِيهِ رأيه، فأقبلوا قادمين بِهِ، وقبض موسى قبل قدومهم فتلقاهم النَّاس فأخبروهم الْخَبَر، فقالت بنو إسرائيل: خالفتم نبيكم حين استبقيتم هَذَا، لا تدخلوا عَلَيْنَا، فحالوا بينهم وبين الشام، فرجعوا إلى الحجاز، فكان ذلك أول سكنى يَهُود الحجاز، فنزلوا المدينة واتخذوا فِيهَا المزارع، فمنهم بنو قريظة وبنو النضير الكاهنان، نسبة إِلَى جدهم الكاهن بْن هَارُون بْن عمران. انتهى.
وعلى هذا، فانتقالهم إلى المدينة عقب وفاة موسى ـ عليه السلام ـ وقد مات في فترة التيه، كما ذكر الطبري وغيره، وقد ذكر أبو البقاء الحنفي في تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف: بعد ذكر عدة أقوال: إِن من هبوط آدم إِلَى مَجِيء الطوفان ألف وسِتمِائَة وست وَخَمْسُونَ سنة، وَمن انْقِضَاء الطوفان إِلَى تبلبل الألسن مائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة، وَمن التبلبل إِلَى مولد الْخَلِيل مائَة وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سنة، وَمن مولده عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى وَفَاة مُوسَى خَمْسمِائَة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ سنة، وَمن وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى ابْتِدَاء ملك بخْتنصر تِسْعمائَة وثمان وَسَبْعُونَ سنة، وَإِلَى ملك الْإِسْكَنْدَر ألف وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاث عشرَة سنة، وَولد عِيسَى لسبع مائَة وتسع وَثَلَاثِينَ سنة من ملك بخْتنصر ولثلاثمائة وَأَرْبع وَسِتِّينَ سنة من ملك الْإِسْكَنْدَر، وَمن ملك بخْتنصر إِلَى ابْتِدَاء الْهِجْرَة ألف وثلاثمائة وتسع وَسِتُّونَ سنة، وَمن ملك بختنصّر إِلَى ابْتِدَاء الْهِجْرَة تِسْعمائَة وَخمْس وَسِتُّونَ سنة، فَكَانَ بَين مُوسَى وَابْتِدَاء الْهِجْرَة أَلفَانِ وثلاثمائة وَسبع وَأَرْبَعُونَ سنة. انتهى.
ولعل هذه الهجرات بدأت من الوقت المشار إليه، ثم تتابعت على فترات مختلفة، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 121115.
والله أعلم.