السؤال
ما صحة سيرة الصحابي زيد بن سعنة، حيث نجد أن الصحابي يسأل الحبر المسمى بالهبيان عن سبب تركه للشام، وهجرته إلى المدينة المنورة، فقال الحبر الهبيان: إن سبب تركه للشام، وهجرته إلى المدينة المنورة هو اقتراب ظهور نبي يهاجر إلى المدينة المنورة، مذكورا في توراتهم، وليس لسبب الإيذاء.
فهل السبب الرئيس لهجرة اليهود إلى المدينة المنورة هو انتظار النبي المذكور في توراتهم؟ أم السبب الرئيس هو الإيذاء من النصارى في الشام؟ وهل كلاهما صحيح؟ أم هناك سبب آخر؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما بخصوص الصحابي الجليل زيد بن سعنة -رضي الله عنه- فقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب: زيد بن سعنة، ويقَالَ: سعية بالياء، والنون أكثر في هذا، كان من أحبار يهود، أسلم وشهد مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشاهد كثيرة، وتوفي في غزوة تبوك مقبلا إلى المدينة، روى عنه عبد الله بن سلام، وكان عبد الله بن سلام يقول: قَالَ زيد بن سعية: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرف وكرم-.
وقد ذكرنا قصة إسلامه -رضي الله عنه- في الفتوى: 72152.
وأما سبب انتقال اليهود إلى المدينة: فإن أهل السير والتاريخ يذكرون السببين، قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه غريب الحديث: وقال [ أبو عبيد - ] في حديث محمد [ بن سيرين - ] أن بني إسرائيل كانوا يجدون محمدا منعوتا عندهم، وأنه يخرج من بعض هذه القرى العربية، فكانوا يقتفرون الأثر في كل قرية حتى أتوا يثرب، فنزل بها طائفة منهم. قوله كانوا يقتفرون الأثر: يتتبعون الآثار ويطلبونها. انتهى.
وقال نور الدين أبو الحسن السمهودي في كتابه وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: وحكى ابن النجار عن بعض العلماء أن سببه أن علماءهم كانوا يجدون صفة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في التوراة، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين، فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة، فلما رأوا تيماء وفيها النخل نزلها طائفة منهم، وظن طائفة أنها خيبر فنزلوها، ومضى أشرفهم وأكثرهم، فلما رأوا يثرب سبخة وحرة، وفيها النخل قالوا: هذه البلد التي تكون مهاجر النبي العربي -عليه الصلاة والسلام-، فنزل النضير بطحان. انتهى.
وقال فيه أيضا: وروى بعض أهل السير عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بلغني أن بني إسرائيل لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بختنصر عليهم وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمدا -صلّى الله عليه وسلّم- منعوتا في كتابهم، وأنه يظهر في بعض هذه القرى العربية في قرية ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام كانوا يعبرون كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب، فينزل بها طائفة منهم، ويرجون أن يلقوا محمدا فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون ممن حمل التوراة بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم يؤمنون بمحمد -صلّى الله عليه وسلّم- أنه جاء، ويحثون أبناءهم على اتباعه إذا جاء، فأدركه من أبنائهم فكفروا به وهم يعرفونه: أي حسدا للأنصار حيث سبقوهم إليه. انتهى.
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: وقال آخرون: بل علماؤهم كانوا يجدون في التوراة صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين، فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة حرصا منهم على اتباعه، فلما رأوا تيماء وفيها النخل عرفوا صفته، وقالوا هو البلد الذي نريده، فنزلوا وكانوا أهله حتى أتاهم تبع، فأنزل معهم بني عمرو بن عوف. انتهى.
فهذه النقول السابقة تشير إلى أن هجرتهم إلى المدينة كانت لتحري مبعث النبي العربي الذي يجدون نعته ونعت البلدة التي سيهاجر إليها في كتبهم.
وقال آخرون إن سبب هجرتهم من الشام هو ما لاقوه من الاضطهاد: قال المقريزي في إمتاع الأسماع: ... ويقال: بل كان نزول اليهود بيثرب حين وطئ بختنصّر بلادهم بالشام، وخرب بيت المقدس، فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجاز، كقريظة، والنضير، وسكنوا خيبر، ويثرب، حتى قدمت الأوس والخزرج عليهم، وكانت لهم معهم حروب ظهرت عليهم اليهود. انتهى.
والله أعلم.