الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سؤالك عن حديث النفس يحتمل أمرين:
الأول: ما تحدثين به نفسك من إرادة فعل الإثم، فهل تحاسبين عليه؟
والجواب: أن حديث النفس إذا لم يكن معه قول أو عمل: فهو معفو عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم به. متفق عليه.
قال النووي في الأذكار: الخواطر، وحديث النفس إذا لم يستقر، ويستمر عليه صاحبه، فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل، قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة، أو كفرًا، أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله، ثم صرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شيء عليه. انتهى.
وقال ابن مفلح - رحمه الله - في الآداب الشرعية: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَيْلُ الطَّبْعِ إلَى الْمَعْصِيَةِ بِدُونِ قَصْدِهَا لَيْسَ إثْمًا، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ أَثِمَ، وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ، وَلَا قَوْلٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: حَدِيثُ النَّفْسِ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَهُوَ إذَا صَارَ نِيَّةً، وَعَزْمًا، وَقَصْدًا، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. انتهى.
وينبغي أن تعلمي أن هذه الخواطر إذا لم تصرفيها، واسترسلت معها، فإنها تتزايد، وتتعاظم، وينميها الشيطان؛ حتى تستولي على قلبك، ثم تخرج من نطاق القلب إلى الجوارح.
يقول ابن القيم - رحمه الله - في الفوائد: دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلًا، فإن لم تتداركه بضده صار عادة، فيصعب عليك الانتقال عنها. انتهى
الاحتمال الثاني من مقصودك بحديث النفس: هو ما تشعرين به من صوت بداخلك، يقول: إذا فعلت كذا فسيحدث كذا .... الخ.
فهذا الحديث لا تحاسبين عليه، ولكن ينبغي أن لا تسترسلي معه؛ فإنه قد يتحول إلى وساوس يصعب التغلب عليها، وقد ذكرنا مرارًا أن أفضل علاج لدفع الوساوس، والتخلص منها هو: الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 136803، 51239.
والله أعلم.