الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالك لا يعدو حد الوسوسة التي تجاوز الله تعالى عنها

السؤال

ماذا يفعل من تأتيه شكوك بعدم وجود أمم سابقة وعدم وجود نبوة محمد عليه السلام، و أنه لا يوجد شخص يسمى محمد، ويشك بوجود الجنة والنار، بل يقول أنا أعبد الله فلو كان هناك جنة ها قد دخلنا الجنة وإن لم يكن فقد مكثنا بعض السنوات في الأرض ومتنا، مع العلم أن هذا الشخص يرد هذه الشبه عقلا وشرعا ويستعيذ من الشيطان ويسمع القرآن ويتحصن بالأذكار، ويقوم بالمحافظة على الصلوات الخمس في المسجد، بل والأعجب أن هذا من طلاب كلية الشريعة، أي أن المشكلة هو نفسه غير مصدق لما يحدث معه ومن أين تأتي هذه الأوهام، ومع هذا نفسيته تبقى سيئة بسبب هذه الأفكار ولا يعلم ماذا يفعل ؟ وهل هذا يعتبر كفرا أو ماذا؟
أرجو الإجابة بأسرع وقت منكم فهو بحاجة إلى نصيحتكم ودعاء جميع المسلمين، فبالله عليكم أن لا تتأخروا لما يشعر به من هم وحزن وألم وحيرة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذه الحال المذكورة في السؤال لا تعدو- إن شاء الله تعالى- حد الوسوسة التي تجاوز الله عنها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. رواه البخاري ومسلم.

قال النووي في الأذكار: الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. اهـ.

وهذا العفو عن مثل هذه الخواطر وحديث النفس يظل باقيا ما لم تصر اعتقادا ثابتا في القلب. وقد سبق لنا بيان الفرق بين الشك والوسوسة في الفتوى رقم: 120582.

ثم إن كره العبد لهذه الوساوس ونفوره وخوفه منها، يدل على صحة إيمانه، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.

قال النووي في بيان معناه: استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ. وراجع في ذلك الفتويين: 7950، 12300.

وهذا الشخص المذكور من هذا الصنف إن شاء الله، حيث وصف في السؤال بأن نفسيته تبقى سيئة بسبب هذه الأفكار وهذا يدل على كراهته ونفوره وانزعاج قلبه من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، وهذا بدوره يدل على الإيمان وصحة الاعتقاد. ومما يؤكد ذلك قول السائل: هذا الشخص يرد هذه الشبه عقلا وشرعا ويستعيذ من الشيطان... الخ.

ثم ننبه السائل في الختام على أن الشك في وجود الأمم السابقة، وكذلك الشك في وجود شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خارج نطاق العقل السليم والتفكير المنطقي، ومثله مثل شك شخص ما في وجود دولة ماليزيا مثلا، لأنه لم يرها ولم يزرها وذلك أن النقل المتواتر على وجود ذلك تحصل به ضرورة التصديق به. ثم يبقى بعد ذلك البحث في صدق هذا النبي الكريم وأنه رسول من عند الله حقا، وهذا قد سبق لنا بيان دلائله وبراهينه فراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 99787، 63050، 20138، 111062.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني