لا تتم ملكية الأرض إلا بالتنازل اللفظي أو الحكمي من مالكها

25-12-2013 | إسلام ويب

السؤال:
عَمَّر أبي أرضًا لمدة تزيد عن 20 سنة، لم ينازعه عليها خلال هذه المدة أي أحد، وبذلك خول له القانون ملكيتها تمامًا، بحكم أن من تصرف في أرض وعمرها لمدة تزيد عن عشر سنوات دون حدوث منازعة من أي طرف آخر يسمح له بإعداد عقد عند عدلين محلفين، ومعترف بهما، وبحضور 12 شاهدًا يشهدون على أن المتصرف فعلًا كان يتصرف في تلك الأرض للمدة المذكورة دون منازعة، لكن الأرض التي كان يتصرف فيها أبي تعود لملكية رجل وامرأتين، وإنما لم تتم المنازعة طيلة المدة المذكورة لأن المالك الذكر، وبعلم أختيه، وهب شفويًا وليس كتابيًا الأرض المذكورة لوالد أبي، فذهب أبي عند صاحب الأرض، وذكره بهبته، فقال له الرجل: "ذاك ما كان فعلًا، ولن أتراجع عن تلك الهبة رغم أنها شفوية" وهنا طلب أبي منه ضرورة توثيق ذلك بإبرام عقد، مقابل أن يحضر الرجل المالك أختيه المالكتين كذلك عند كاتب لتحرير العقد، على أن يقدم أبي لكل منهما مبلغًا بسيطًا من المال، مع العلم أن المرأتين لا تعلمان كثيرًا عن أمور التعاقد، لكن الأخ تكفل بهما، وحضر الكل- أبي، ثم الرجل، والمرأتين- عند كاتب، وذكر الأخ لأختيه أننا حضرنا لتسليم أرضنا لهذا الشخص، وسنحرر معه عقدًا، وفعلًا حرر الكاتب عقدًا، وحتى يكون مقبولًا قانونًا من حيث تسجيله وتحفيظه سموه عقد بيع، وجعلوا للأرض ثمنًا، رغم أن أبي لم يقدم إلا مبلغًا رمزيًا للمالكين أقل بكثير مما تم تقييده في العقد، وتم توقيع العقد من قبل المتعاقدين، والمصادقة عليه لدى الجهات المختصة، وللإشارة فبعد مدة أعطى أبي للمالكين جزءًا من تلك الأرض يقدر بـ 3 في المئة من مجموع مساحتها، وقام أبي فيما بعد بتملك تلك الأرض تملكًا تامًا اتباعًا للإجراءات القانونية التي قدمت بها لهذا الموضوع، وبفضل العقد المبرم مع المالكين الأصليين، فمن خلال كل هذا أصبح أبي قانونيًا يمتلك الأرض المذكورة، ولكن من الوجهة الشرعية هل ارتكب أو قام بشيء مخالف؟ وهل العقد الذي أصبح يتملك به الأرض عقد صحيح؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالصحيح أن الحيازة والتقادم ليس سببًا شرعيًا لانتقال ملكية الأرض، أو حصتها من مالكها الأصلي إلى واضع اليد عليها، ما لم ‏تقترن بالتنازل اللفظي، أو الحكمي عنها، كما جاء في الموسوعة الفقهية‎: اتفق الفقهاء على أن الحق لا يسقط بالتقادم، ولم ‏يفرق جمهور الفقهاء في سماع الدعوى بين ما تقادم منها، وما لم يتقادم. ‎انتهى.

 وهذا ما قررناه مفصلًا في فتاوى كثيرة سابقة من أهمها: 60874، 100885 ، 148777، 129103، 49395، 134846‏، 160509. ‏

فإذا كان سكوت الأختين عن حصتيهما من الأرض طيلة عشرين عامًا بمحض اختيارهما؛ ولم يمنعهما من الاعتراض ‏عليه مانع من إكراه، أو خوف من عرف جار، أو حياء، فهذا السكوت يعتبر تنازلًا حكمًا، وإمضاء ضمنًا لهبة أخيهما، وذلك ‏ما دامتا بالغتين عاقلتين رشيدتين، وهو ما قررناه في الفتاوى:132690 ، 52598، 62734.

وإن كان دون الإقرار القولي في القوة، ‏ولذلك لو أبدتا عذرًا معتبرًا منعهما من الاعتراض لكان مقبولًا، وكانت حصتهما مضمونتين عليه؛ لأن الحق لا يسقط بالتقادم.‏

ومثل ذلك يقال فيما حصل من موافقة الأختين على شهود كتابة العقد والتوقيع عليه، حال كونهما عالمتين بكونه عقدًا صوريًا يراد ‏منه التوصل للتوثيق الرسمي لملكية الأرض الموهبة منهما له، إن كان ذلك بمحض اختيارهما، ورضاهما بالتفصيل المتقدم، فهو إقرار ‏ضمني بالتنازل السابق، ولا يخلّ بسلامة هذا الإقرار أخذ جعالة عليه، ولا قلة معرفتهم بالعقود، ما دام أخوهما قد تكفل ببيان ‏المقصود.

فبناء على ما سبق، نقول:‏
إذا ثبت الإقرار الضمني بالنحو السابق؛ إقرار الأختين لهبة حصتيهما من الأرض للموهوب: فلا نرى مانعًا شرعيًا من كتابة ‏عقد البيع الصوري للأرض، إن تعين طريقًا للتوثيق الرسمي لملكية الموهوب على الأرض، حفظًا للحق الثابت له شرعًا؛ لأن العقد ‏الصوري ليس توثقة لعقد بيع حقيقي مُنشأ، بل هو عقد صوري توصلي لغرض مشروع، ومكافأتهم بحصة من الأرض بعد ذلك ‏من باب هبة الجزاء الحسن، وشكران المعروف مستحب.‏

أما إذا ثبت بطلان التنازل الحكمي لاختلال شيء من شروطه، كأن يثبت أن عدم منازعتهما كانت خوفًا من عرف ظالم، أو حياء ‏من أخيهما، أو يثبت أنه لبّس عليهما في حقيقة الأمر، وصورت القضية على غير حقيقتها، فليس لأبيك عندئذ من الأرض إلا حصة ‏الأخ دون حصة الأختين؛ لأن هبة الأخ للأرض دون توكيل من شريكتيه فيها باطل في غير حصته، ولا يشفع له عندئذ لا عقد ‏صوري، ولا قانون رسمي، ولا قضاء مدني، فإما المصالحة، وإما رد الحقوق، وقد بينا أقوال أهل العلم في رد الأرض المغصوبة ‏إذا عمّرت في الفتاوى: 71323 ، 28307، 100305 ، 28270.

والله أعلم.

www.islamweb.net