التوبة بين السر والعلن وحكم الصلاة خلف من يسب الدين

20-8-2013 | إسلام ويب

السؤال:
لدي سؤال يتعلّق بإعلان التوبة, فقد قرأت أنّه من تلفّظ بسب الدين فقد كفر سواء كان عمدًا أو عن جهل, وعليه التوبة وإعلانها إن أعلن الكفر, فهل إعلان التوبة في هذه الحالة يكون بالتلفّظ بالشهادتين أمام أحد الذين سمعوه؟ أم يكتفي بقول: "إنّي تبتُ ولن أعود إلى هذا!" أمام أحد الذين سمعوه؟ أفيدونا - جزاكم الله خيرًا - لأنّنا من مجتمع يكثر فيه سبّ الدين, وهل يجوز لنا أن نصلي خلف أحد الأشخاص في القرية الذين يسبّون الدين ثمّ نعيد لأننا نريد جذبهم, فشعارنا لا للفرقة؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فقد قدمنا في الفتوى رقم: 189215 أن إعلان التوبة ليس شرطًا في صحتها, وراجع شروط التوبة في الفتوى رقم: 125357.

ويرى كثير من أهل العلم أن الأولى بالتائب ستر نفسه, لا سيما إن لم يكن هناك من يطبق عليه الحد, ويطهره من رجس الذنب, وقال بعضهم: إن الأفضل في الذنب المعلن أن يعلن التائب التوبة منه, وأن يمشي للسلطان أو نائبه ليقيم عليه الحد, قال ابن رجب في فتح الباري: والأكثرون على أن التائب من الذنب مغفور له, وأنه كمن لا ذنب له, كما قال تعالى: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) [الفرقان : 70] وقال: (أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) [آل عمران : 136] ..... وجمهور العلماء على أن من تاب من ذنب فالأصل أن يستر على نفسه, ولا يقر به عند أحد، بل يتوب منه فيما بينه وبين الله عز وجل, روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وغيرهم، ونص عليه الشافعي, ومن أصحابه وأصحابنا من قال: إن كان غير معروف بين الناس بالفجور فكذلك، وإن كان معلنًا بالفجور مشتهرًا به فالأولى أن يقر بذنبه عند الإمام ليطهره منه, وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ: "إذا أحدثت ذنبًا فأحدث عنده توبة إن سرًا فسرًا, وإن علانية فعلانية", وفي إسناده مقال, وهو إنما هو يدل على إظهار التوبة. اهـ

وحكى الألوسي أن إظهار التوبة شرط في توبة من يقتدى به, ثم ذكر أن الصحيح أنه ليس شرطًا, فقد قال في تفسيره: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} أي: أظهروا ما بينه الله تعالى للناس معاينة, وبهذين الأمرين تتم التوبة، وقيل: أظهروا ما أحدثوه من التوبة ليمحوا سمة الكفر عن أنفسهم, ويقتدي بهم أضرابهم, فإن إظهار التوبة ممن يقتدى به شرط فيها على ما يشير إليه بعض الآثار، وفيه أن الصحيح إظهار التوبة إنما هو لدفع معصية المتابعة, وليس شرطًا في التوبة عن أصل المعصية, فهو داخل في قوله تعالى: (وأصلحوا). اهـ

  وأما الصلاة خلف من علم منه سب الدين فلا تجوز إلا لمن علم أنه تاب من ذلك، فإن من يسب الدين كافر - والعياذ بالله - ولا تصح الصلاة خلف الكافر, كما قال النووي في المجموع شرح المهذب: ولا تصح إمامة الكافر لأنه ليس من أهل الصلاة، فلا يجوز أن يعلق صلاته على صلاته. اهـ

وقال خليل: وبطلت باقتداء بمن بان كافرًا.

ومثل هذا من يسب الدين تارة ثم يتوب, ثم يسب مرة أخرى فلا يصلي خلفه إلا من علم توبته, فلو صلى خلفه من علم بسبه بطلت صلاته, ولو علم فيما بعد أنه كان تاب من السب فلا يمنع ذلك بطلان الصلاة خلفه؛ لأن الإقدام عليها قبل التأكد من توبته لم يكن جائزًا, فقد قال النووي في المجموع: ولو صلوا خلف من علموه كافرًا, ولم يعلموا إسلامه فبان بعد الفراغ أنه كان مسلمًا قبل الصلاة لزمهم الإعادة بالاتفاق, نص عليهم في الأم قال: لأنه لم يكن لهم أن يقتدوا به حتى يعلموا إسلامه. اهـ

وقال ابن قدامة في المغني: وإن كان الإمام ممن يسلم تارة ويرتد أخرى, لم يصل خلفه, حتى يعلم على أي دين هو, فإن صلى خلفه, وهو لم يعلم ما هو عليه نظرنا; فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه, وشك في ردته, فهو مسلم, وإن علم ردته, وشك في إسلامه, لم تصح صلاته, فإن كان علم إسلامه, فصلى خلفه, فقال بعد الصلاة: ما كنت أسلمت أو ارتددت, لم تبطل الصلاة; لأن صلاته كانت صحيحة حكمًا, فلا يقبل قول هذا في إبطالها; لأنه ممن لا يقبل قوله, وإذا صلى خلف من علم ردته, فقال بعد الصلاة: قد كنت أسلمت قبل قوله; لأنه ممن يقبل قوله. اهـ

وإذا كانت الصلاة خلفه لا تصح فلا يجوز الإقدام على الاقتداء به, قال الشيخ ابن باز: إذا كان الإمام مشعوذًا, أو يقوم بخرافات ومنكرات، فلا يجوز أن يتخذ إمامًا، ولا يصلى خلفه .... اهـ. 

والله أعلم.

www.islamweb.net