الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فلا يجوز في المفتى به عندنا أن يعتمر الإنسان عن غيره إذا لم يكن قد اعتمر عن نفسه، لما ثبت عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَ،ةَ قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي، قَالَ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ لَا، قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ. رواه أبو داوود وابن ماجه.
والعمرة كالحج في هذا لا يعتمر عن غيره من لم يعتمر عن نفسه, جاء في كشاف القناع: وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِي ذَلِكَ فَمَنْ عَلَيْهِ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ أَوْ قَضَاءٌ أَوْ نَذْرٌ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ ... اهــ.
وعلى هذا القول فإنه لا يجوز لك أن تعتمر عن أختك المتوفاة قبل أن تعتمر عن نفسك ما دمت لم تعتمر من قبل وليس ما ذكرته من الحلق والتقصير عذرا في مخالفة الحكم الذي ذكرناه فاعتمر عن نفسك أولا ثم اعتمر عن أختك, ويجوز لك أن تحلق في عمرتك وإذا لم يخرج لك شعر عند عمرتك عن أختك فيكفي أن تمر الموسى على رأسك، كما بيناه في الفتوى رقم: 177199، وفيها كيف يتحلل من العمرة من حلق شعره قبلها، وكذا الفتوى رقم: 144537.
وأما ما ذكرته من العودة للذنب بعد التوبة منه فجوابه أن التوبة من الذنب واجبة ومن وقع فيه ثانية أو ثالثة أو أكثر من ذلك... وجب عليه أن يجدد التوبة منه كلما عاد إليه ولا ييأس، وقد قيل للحسن البصري رحمه الله: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار.
وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين، يعني أن المؤمن كلما أذنب تاب.
وروي أن أن عليا أَتَاهُ رَجُلٌ, فَقَالَ: مَا تَرَى فِي رَجُلٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ فَعَلَ, ثُمَّ عَادَ، قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ فَعَلَ, ثُمَّ عَادَ، قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ, ثُمَّ يَتُوبُ إِلَيْهِ, فَقَالَ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ: قَدْ فَعَلَ, ثُمَّ عَادَ, فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَتَّى مَتَى؟ ثُمَّ قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ وَلَا يَمَلُّ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُورُ.
وروى الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك ـ وصححه الألباني ـ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ, قَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي.
فالحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء ونسأل الله أن يغفر لنا خطايانا وأن يصلحنا صلاحا لا فساد بعده أبدا وانظر الفتوى رقم: 142663.
والله أعلم.