الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نتفق مع السائل الكريم في ضرورة الالتزام بالأمانة العلمية بكافة صورها، ولكننا قد نختلف معه في كون طباعة جزء من كتاب دون بقيته يخل بالأمانة مطلقا، وإنما يكون ذلك إذا أوهم فاعله أن هذا هو الكتاب بكماله، أو نفى أن يكون للكتاب بقية، أو نحو ذلك مما يفهم منه نفي نسبة ما لم يُطبع إلى الكتاب. وذلك لأنه من المقبول أن تتوجه همة باحث أو دارس معين إلى فقه الفروع مثلا، فيقتصر عليه دون غيره. ومع ذلك فالأولى بلا ريب أن ينبه من فعل ذلك على أنه اقتصر على جزء من الكتاب.
وأما بالنسبة لهذا الأبيات المشار إليها فهي على طريقة الأشاعرة كما ذكر السائل، وليس الإشكال في إثبات ما أثبتته الأبيات من صفات الله بقدر ما هو في نفي ما عداها من صفات الله تعالى، والتي يشار إلى نفيها عند الأشاعرة بقول ابن عاشر: (وَوَحْدَةُ الذّاتِ وَوَصْفِ والفِعاَلْ). فإن مما يراد بوحدة الذات نفي بعض الصفات الثابتة لله تعالى، والتي يفهم منها الأشاعرة معنى التركيب.
قال العدوي في (حاشيته على كفاية الطالب الرباني): الوحدانية تنقسم إلى خمسة أقسام، وحدة الذات بمعنى نفي الكم المتصل، وبمعنى نفي الكم المنفصل. فالأول ألا تكون ذاته العلية مركبة من جزأين أو أكثر، والثاني ألا يكون ذاتين بحيث يكون كل واحدة منها منفردة عن الأخرى، ووحدة الصفات بمعنى نفي الكم المتصل والمنفصل منها أيضا. اهـ.
وشبهة التركيب والتجسيم، من الأصول التي اعتمد عليها الأشاعرة وغيرهم في نفي بعض الصفات الخبرية.
قال الدكتور سفر الحوالي في (منهج الأشاعرة في العقيدة): التوحيد عِنْد الأشاعرة هُوَ نفي التَّثْنِيَة أَو التَّعَدُّد، وَنفي التَّبْعِيض والتركيب والتجزئة أَي حسب تعبيرهم "نفي الكمية الْمُتَّصِلَة والكمية الْمُنْفَصِلَة", وَمن هَذَا الْمَعْنى فسروا الْإِلَه بِأَنَّهُ: الْخَالِق أَو الْقَادِر على الاختراع, وأنكروا بعض الصِّفَات كالوجه وَالْيَد وَالْعين؛ لِأَنَّهَا تدل على التَّرْكِيب والأجزاء عِنْدهم. اهـ.
وقد سبق لنا بيان أن إثبات الوجه والعين واليدين لله تعالى لا يستلزم التركيب، فراجع الفتوى رقم:173177. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 130884.
وأما بخصوص بقية السؤال فنرجو من السائل الكريم الرجوع للفتوى رقم: 175019 والوقوف على كل فقرة من فقراتها على حدة، والنظر إلى ما أحيل عليه فيها من الفتاوى المتعلقة بها.
والله أعلم.