الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مما يشكر عليه السائل الكريم ويحمد له: بحثه عن الحق وتحريه للصواب، لا سيما في مسائل الاعتقاد، فنسأل الله تعالى أن يشرح صدره للحق الذي يرضيه.
أما اعتقاد أهل السنة في علو الله وفوقيته وأنه بائن من خلقه، وبيان أدلة ذلك والجواب على ما أثير حوله من شبهات، وإيراد النقول عن الأئمة في ذلك، فقد سبق لنا تفصيله في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 6707، 46017، 69060، 66332، 76111، 41493، 118504، 101609.
وكذلك سبق لنا بيان حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وحكم التبرك بآثاره، في الفتوى رقم: 25217. كما بينا ما هو مشروع وما هو ممنوع بصفة عامة من التوسل، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4416، 16690، 28845. وكذلك المشروع وغير المشروع من أنواع التبرك في الفتوى رقم: 15830.
وأما ما نسب إلى الإمامين ابن تيمية وابن القيم، فهو محض افتراء عليهما من خصومهما، وهذه كتبهم شاهدة عليهم، وليس فيها إلا تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به، قال ابن تيمية في (العقيدة الواسطية): ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفء له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى فإنه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه. ثم رسله صادقون مصدقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين) فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب. وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. اهـ.
فهل يصح بعد هذا البيان ما ينسبه إليه أعداؤه من البهتان، وكذلك كان اعتقاد تلميذه ابن القيم، ومما قال في ذلك قوله في (مدارج السالكين): العصمة النافعة في هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل تثبت له الأسماء والصفات، وتنفي عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثباتك منزها عن التشبيه، ونفيك منزها عن التعطيل اهـ.
وقد سبق لنا تفنيد بعض الشبهات والأكاذيب المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذكرنا طرفا من ترجمته والدفاع عنه، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 41473، 7022، 53961، 80372، 106061، 16542، 45674.
فأما أهل السنة والجماعة فيثبتون كل الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تمثيل ولا تكييف، ويفوضون كيفيتها إلى الله عز وجل، وأما الأشاعرة فإنهم يثبتون لله تعالى سبع صفات فقط، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم:50216.
وبخصوص إثبات اليد والعين لله تعالى، فالذي استقر عليه مذهب الأشاعرة أنهم يؤولون هذه الصفات الخبرية الثابتة، قال الدكتور غالب العواجي في كتابه (فرق معاصرة): قدماء الأشاعرة كالباقلاني: أبو بكر محمد بن الطيب، والطبري: أبو الحسن الطبري، والباهلي: أبو عبد الله بن مجاهد، الذين كانوا يثبتون الصفات الخبرية على ظاهرها ويؤولونها تبعا لأبي الحسن الأشعري وعلى طريقة الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث، وفى ترجمة العلماء لأبي الحسن الأشعري وبيان رجوعه إلى مذهب أهل السنة والجماعة من النصوص التي تثبت ذلك ما لا يخفى على طلاب العلم، ولكن المتأخرين من الأشاعرة كالغزالي والجويني والرازي والتفتازاني والجرجاني - كانوا يذهبون إلى تأويل الصفات الخبرية ونفي معانيها الحقيقية وأنها مجازات، فالاستواء بمعنى الاستيلاء، واليد: القدرة أو النعمة، .. والعين: الحفظ. اهـ.
وقال الدكتور سفر الحوالي في رسالته (منهج الأشاعرة في العقيدة): أنكروا بعض الصفات، كالوجه واليد والعين؛ لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم. اهـ.
وقال الدكتور/ خالد كبير علال، في أطروحته للدكتوراة (الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث): للأشاعرة في تبنيهم للتأويل ودفاعهم عنه مبررات يتذرّعون بها، فيقولون: إن في الشرع نصوصا تُوهم النقص في صفات الله تعالى، كالاستواء والنزول والمجيء والوجه واليدين والعينين، فإثباتها على ظاهرها يُؤدي إلى التشبيه في اعتقادهم، ونظرتهم هذه ناقصة وخطأ، لا تعتمد على أساس شرعي ولا عقلي؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء ولم يكن له كفؤا أحد، وهو موصوف بصفات الجلال والعظمة والإكرام، والصفات التي اعترض عليها الأشاعرة، الله هو الذي وصف بها نفسه، فهي إذن صفات كمال، وليست صفات نقص، ويجب علينا أن ننظر إليها بما يليق به تعالى ويجب له من كمال وعظمة وجلال، وفي إطار نصوص التنزيه .. فنحن إذا نظرنا لتلك الصفات في إطارها الشرعي الكامل وأرجعنا المتشابه – إن وُجد - إلى المحكم زال الإشكال المُتوّهم نهائيا بلا تأويل ولا تعطيل. اهـ.
وقد سبق لنا ذكر بعض أصول الأشاعرة المخالفة لمنهج السلف الصالح، أهل السنة والجماعة، في الفتوى رقم: 38987. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 117496.
والله أعلم.