الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الزكاة ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام، والبخل بها ومنعها مستحقها من كبائر الذنوب، وصاحبه معرض للوعيد العاجل والآجل، وقد وردت النصوص الكثيرة مرهبة من منع الزكاة والبخل بها.
قال تعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {آل عمران:180}
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{التوبة:34}
وروى أحمد والشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه وجبهته حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا كنزك، أنا مالك ثم تلا هذه الاية: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله...).
فاحذر على أهلك أيها الأخ الكريم، وخف أن يمسهم عقاب الله تعالى، وبادر بتذكيرهم بإخراج ما يجب عليهم من الزكاة، فإن استجابوا لك فالحمد لله، وإن كانت الأخرى تكون قد أبرأت ذمتك، وأديت ما عليك من النصح الواجب، ثم إن استجابوا لك فالواجب عليهم أن يراجعوا حساباتهم للسنين الماضية، فيعرفوا الوقت الذي بلغ المال فيه نصابا، وكم حولا حال عليه دون أن ينقص عن النصاب، وما استفادوه من مال بعد بلوغ ما يملكونه نصابا، فما كان منه نماء للأصل فإنه يزكى بزكاته كربح التجارة، وما كان غير نماء للأصل كالرواتب الشهرية ونحوها فإنه يحسب لها حول مستقل.
ولمعرفة كيفية زكاة المال المستفاد تراجع الفتوى رقم: 136553، وما أحيل عليه فيها، فإذا عرفوا المقدار الذي تجب زكاته في كل سنة، فإنهم يخرجون عنه ربع العشر لكل سنة هجرية، فإن عجزوا عن معرفة ما يلزمهم، فإنهم يعملون بالتحري، فيخرجون ما يحصل لهم به اليقين أو غلبة الظن ببراءة ذمتهم؛ لأن هذا هو ما يقدرون عليه، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ويجب عليهم مع ذلك أن يتوبوا إلى الله تعالى من تأخير الزكاة هذه المدة، وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: إنسان تهاون في إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات، والآن هو تائب هل التوبة تسقط إخراج الزكاة؟ وإذا لم تسقط إخراج الزكاة فما هو الحل؟ وهذا المال أكثر من عشرة آلاف وهو لا يعرف مقداره الآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: الزكاة عبادة لله عز وجل، وحق أهل الزكاة، فإذا منعها الإنسان كان منتهكاً لحقين: حق الله تعالى، وحق أهل الزكاة، فإذا تاب بعد خمس سنوات كما جاء في السؤال سقط عنه حق الله عز وجل، لأن الله تعالى قال: {وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ويبقى الحق الثاني وهو حق المستحقين للزكاة من الفقراء وغيرهم، فيجب عليه تسليم الزكاة لهؤلاء، وربما ينال ثواب الزكاة مع صحة توبته، لأن فضل الله واسع.
أما تقدير الزكاة فليتحر ما هو مقدار الزكاة بقدر ما يستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فعشرة آلاف مثلاً زكاتها في السنة مائتان وخمسون، فإذا كان مقدار الزكاة مائتين وخمسين، فليخرج مائتين وخمسين عن السنوات الماضية عن كل سنة، إلا إذا كان في بعض السنوات قد زاد عن العشرة فليخرج مقدار هذه الزيادة، وإن نقص في بعض السنوات سقطت عنه زكاة النقص. انتهى.
ولتنظر الفتوى رقم: 121528، لمزيد الفائدة حول كيفية حساب الزكاة للسنين الماضية.
والله أعلم.