الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تضمن سؤالكم جملة من المسائل، وبيانها في ما يلي إن شاء الله:
أولا: المال المأخوذ من وثيقة التأمين، لابد من النظر في أصله، فإن كان عقد التأمين تجاريا ـ كما هو الغالب ـ فهو من العقود المحرمة، ولا يجوز امتلاك شيء منه إلا الأقساط التي دفعها الوالد أو شركته بالفعل، وقد سبق لنا بيان ذلك وبيان صور التأمين وحكمها، وبيان طريقة التمييز بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 8308، 7394، 107270، 135194.
ثانيا: تأخير قسمة الميراث جائز إذا كان عن تراض منكم، ولكن إذا طلب أحد الورثة أخذ نصيبه وجبت إجابته إلى ذلك، وانظر الفتوى رقم: 99010وما أحيل عليه فيها. وإن كان في الورثة أطفال صغار (أيتام) فلا بد من حفظ مالهم والقيام عليه، وراجع في ما يخص ذلك الفتوى رقم: 131526.
ثالثا: ما تركه أبوكم من الشقق والأراضي، لا زكاة في قيمتها، لأنها للقنية وليست من عروض التجارة.
رابعا: ما تركه أبوكم من المبالغ النقدية سواء في ذلك ما كان في البنك أو ما تركه مع أحد الأشخاص للمضاربة، فالزكاة واجبة فيه، مع التنبه إلى عدم جواز ترك المال في البنك إذا كان بنكا ربويا.
وتجب الزكاة على كل واحد منكم في نصيبه في هذا المال إذا بلغ نصابا بنفسه أو بما انضم إليه مما هو في ملكه من نقود أخرى أو عروض تجارة، وحال عليه الحول الهجري، والنصاب هو ما يساوي 85 جراما من الذهب الخالص تقريبا أو ما يساوي 595 جراما من الفضة الخالصة تقريبا، فمن بلغت حصته من المال هذا القدر وجب عليه أن يزكيه عندما يحول عليه الحول الهجري وهو في ملكه. ويحسب هذا التاريخ من وقت وفاة أبيكم رحمه الله؛ فإنه هو وقت دخول المال في ملككم.
خامسا: لا يجوز تأخير الزكاة بعد وجوبها، وانظر الفتوى رقم: 129871، وإنما يجوز تعجيلها قبل وجوبها في أثناء الحول، وانظر الفتوى رقم: 120247، ومن ثم فيجوز للمزكي أن يوحد الوقت الذي يخرج فيه زكاة ماله إذا كانت أوقات وجوب الزكاة مختلفة، بشرط ألا يلزم من ذلك تأخير بعض الزكاة عن وقتها، بخلاف ما لو استلزم تعجيل زكاة بعض المال، فإنه جائز كما سبق.
سادسا: المال الذي دفعتموه قسطا لهذه الشقة لا زكاة عليكم فيه لأنه خرج من ملككم، وانظر الفتوى رقم 78361، وما بقي بأيديكم منه فإنه يضم إلى ما تملكونه من المال وتجب عليكم زكاته إذا حال عليه الحول وهو بأيديكم.
وما عليكم من دين أقساط هذه الشقة لا يخصم مما في أيديكم من الأموال، على الراجح من أقوال أهل العلم، خاصة وأن عندكم من العروض ما يمكن جعله في مقابلة الدين. وراجع تفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم: 124533وما أحيل عليه فيها.
سابعا: هذه الشقة التي اشتريتموها بعقد الاستصناع إن كنتم قد اشتريتموها بنية التجارة فهي من عروض التجارة يجب عليكم أن تقوموها على رأس الحول الهجري ثم تخرجوا زكاتها، وهي ربع عشر قيمتها زادت أو نقصت، بغض النظر عن الثمن الذي دفعتموه في شرائها، ويرى بعض العلماء أنكم تزكونها مرة واحدة عند بيعها، والراجح ما قدمناه وهو قول الجمهور.
ويجب عليكم ذلك في كل حول مهما طالت السنون ما دمتم قد اتخذتموها بنية التجارة. ولا تأثير لعدم استلامها؛ لأنها في معنى دين السلم، وقد نص الفقهاء على أن دين السلم إذا كان للتجارة وجبت زكاته.
قال في (كشاف القناع): ذكر في المنتهى: لا تجب - أي الزكاة - في دين سلم ما لم يكن أثمانا أو للتجارة. اهـ.
وأما حول هذه الشقة فهو حول المال الذي اشتريتموها به.
ثامنا: إذا لم يكن لديكم من المال ما تخرجون به الزكاة فيلزمكم إخراجها لما مضى من السنين عند بيع الشقة، ونرجو ألا يكون عليكم في تأخير الزكاة والحال هذه حرج، وانظر الفتوى رقم: 133278.
تاسعا: يجب دفع الزكاة لمستحقيها، ولا يجوز وقفها لصالح مشروع خيري، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 62661.
عاشرا: نية الزواج وكذا نية الإنفاق في أي جهة يحتاجها الإنسان لا تأثير لها على مقدار الزكاة، ما دام المال قد وجبت فيه الزكاة ببلوغ النصاب وحولان الحول، فإذا حصل الإنفاق بالفعل قبل حولان الحول لم تجب الزكاة إلا في ما بقي بعد الإنفاق مما قد حال عليه الحول، وبشرط بلوغه النصاب.
والله أعلم.