الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكفر الإباء يكون بمعاندة الشريعة والاستكبار عن قبولها والإذعان لها، مع الإقرار بكونها من عند الله تعالى.
قال في (الوجيز في عقيدة السلف الصالح): وذلك بأن يقر أَنَّ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق من رَبِّه، لكنه يرفض اتباعه أشرا وبطرا واحتقارا للحق وأَهله ؛ ككفر إِبليس فإِنَه لم يجحد أَمر الله ولم ينكره، ولكن قابله بالإِباء والاستكبار. اهـ.
ويدخل في هذا كفر من عرف الرسول ولم ينقد له إباء واستكبارا، ككفر عمه أبي طالب الذي قال:
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا.
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا.
وكذلك كفر اليهود الذين قال الله تعالى في حقهم: فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ.{البقرة: 89 }.
أما المسلم الذي يصر على شيء من الذنوب فإنه وإن كان على خطر عظيم، إلا إنه ليس من ذلك في شيء، فإنه لا تلازم بين الإصرار على المعصية وبين الشرك أو الكفر، وليس لإتيان الكبائر وفعل الصغائر والإصرار عليها تأثير على قبول الأعمال الصالحة التي يفعلها العبد، كما تقدم بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 35296 ، 66518 ، 37847 ، 120463 .
ولذلك قال النووي في شرح مسلم: تصح التوبة من ذنب, وإن كان مصرا على ذنب آخر, وإذا تاب توبة صحيحة بشروطها ثم عاود ذلك الذنب كتب عليه ذلك الذنب الثاني ولم تبطل توبته, هذا مذهب أهل السنة في المسألتين. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 66719.
والحكم بالكفر على المصر لوثة من مذهب الخوارج، ولو شمل هذا الحكم الصغائر مع الكبائر فهو أضل سبيلا.
قال الشيخ الألباني: الخوارج القدامى كان ضلالهم محصوراً على أنهم يكفرون المصرين على الكبائر، أما اليوم فقد نبتت نابتة جديدة يكفرون المصر على المعصية الذي مات عليها ولم يتب. اهـ.
والله أعلم.