الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أرجو من حضراتكم الصبر على سؤالي وجزاكم الله خيراً... أنا والحمد لله طالبة في السنة النهائية في الكلية, وكليتي -للأسف- مختلطة ولها نوعاً ما سمعة أن بها الكثير من المتبرجات, وهي بصراحة فيها الكثير منهم فعلاً، المهم أني كنت يوماً أقف في مبنى الكلية فجاءني طالب شاب ملتزم وأخرج من حقيبته مطويات كثيرة "هذه الأوراق الدعوية التي توزع" وسألني ما إذا كان بإمكاني أن أوزعها, فقلت له نعم, فاشترط علي شرطين: أولها: أن أوزعها داخل مبنى كليتي فقط, والثاني: أن أوزعها في ذلك اليوم كلها! ثم أعطاني 200 مطوية (وهو عدد كبير جدا) فضلا عن الكتيبات الصغيرة... وقد تحمست جداً للفكرة, وقبلتها وأخذت في توزيعها فوراً, ولكنني اكتشفت أن هذه الـ200 مطوية كلها من نوع واحد نفس المطوية نفس الموضوع وليس بها تنوع, وبصراحة أسلوبها سيء من وجهة نظري وإن كانت خالية من أخطاء شرعية، ولكن أسلوبها سيء, لدرجة أن فتاة ممن قرأتها قالت في المحاضرة في وجود الدكتور- محذرة الأخريات منها- أن هذه المطويات لا يجب أن توزع ولم تعجبها إطلاقاً (على فكرة المطوية كان موضوعها البنطلون للفتاة)، وكذلك هي لم تعجبني شخصياً, فخرجت من المبنى آخر اليوم لعلي أرى هذا الشاب فأعيد له حاجاته لعجزي عن توزيعها, ولكني لم أجده، فشعرت بهم شديد, لأني خنت الأمانة, بل ولأني كذلك قبلتها بدون روية ولن أستطيع تأديتها، فها أنا قد أضعت أول شرط وهو المتعلق بالزمان, وكذلك فأنا في آخر سنة في الكلية إن شاء الله وقد انتهى العام الدراسي بالفعل... فماذا أفعل في هذه الأمانة التي صارت هماً ثقيلاً جداً علي وأنا كلما أنظر إلى المطويات أتذكر قول الله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً. فأنا فعلا ظلومة جهولة، ولكن ماذا أفعل لكي أستغفر الله وأتوب إليه سبحانه وتعالى، هل أطلب مثلا من فتاة في السنة الأولى من الكلية أن توزعها في العام القادم أم ماذا أفعل، وماذا إذا لم توافق هذه الفتاة، هناك أمر آخر, يعني بصراحة الكتيبات التي كانت مع المطويات جيدة وهي أقل عدداً لكني كذلك لم أوزعها, ربما لشعوري بالإحباط، وما يؤرقني أكثر أنني بعدها رأيت أمي رحمها الله تعالى في المنام قالت لي كلمة واحدة: "الأمانة"!!! ورؤى أخرى فيها سيدنا جبريل عليه السلام وأنا أعلم أنه ملك العقوبة, وأنا خائفة جداً, ومتضايقة جداً من جبني وضعفي, ماذا علي أن أفعل، مع العلم بأني لن أستطيع أبداً توزيعها بنفسي، فأفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن السعي في نشر الخير أمر مهم جداً، ومن وعد شخصاً بالقيام بنشر الخير فإن الوفاء بهذا مستحب عند جماهير العلماء، ولا حرج على من عجز عنه أو حال حائل دون تنفيذه في الوقت المحدد، ولا يعتبر ذلك إخلالاً بالشرط مع أن الشرط المحرج في الإخلال هو ما كان فيه حق بين الطرفين، وبناء عليه فيمكن رد المطويات الباقية لهذا الشاب إن تأكدت من عدم إمكانية قبول الطالبات لها، وإن كانت المطويات مفيدة ولاحظت أنها ربما تقبل فيمكن أن توزيعها في الأيام القادمة أو توكلي بعض الأخوات على توزيعها، كما يمكن توزيعها في جهة أخرى إن لم يتيسر توزيعها في الكلية.

وأما الأمانة المذكورة في الآية فهي أمانة الدين كما قال القرطبي في تفسير الآية، وأما الأمانات المادية التي تودع للشخص وترسل معه لجهة ما فلا يأثم بضياعها إن لم يفرط أو يتعد، ثم إنا ننبهك على أن أمر الرؤيا لا يترتب عليها ما يسبب القلق والخوف، فالرؤيا يستأنس بها إذا كان فيها ما يسر، ولكنها لا تؤخذ منها الأوامر.

وأما جبريل فأعظم خصائصه أنه ينزل بوحي الله على الرسل. ومن المعلوم أن الوحي هو أعظم أسباب الرحمة، وأحياناً يأتي جبريل عليه السلام بالعقوبة وقد يشاركه غيره من الملائكة، فقد جاء مع بعض الملائكة فقاتلوا مع المسلمين في بدر وأحد وقريظة، وقد شارك في إهلاك قوم لوط.

ولكنه لا يمكن الجزم بأن المرئي في النوم هو جبريل لأن الملائكة يتشكلون ولا يعلم على سبيل الجزم أن المرئي ملك إلا بالوحي، فإذا كان إبراهيم ولوط وكثير من الصحابة خفي عليهم جبريل لما رأوه في اليقظة، فأحرى أن يبعد العلم بكون المرئي جبريل إذا رئي في النوم. وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72630، 52091، 72838، 44575، 76347، 68710، 67492.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني