السؤال
نفيدكم بأن موضوع سؤالي هو كالتالي، أنني ذهبت إلى شخص في أحد أحياء الرياض وطلبت منه مساعدتي للحصول على قات فحضر معي وذهبنا إلى حارة أخرى فقال لي أعطني الجوال لكي أقوم بالاتصال على البائع فأعطيته، فذهب ولم يعد, سؤالي: هل لي الحق أن أطالبه في القسم بتهمة سرقة الجوال أم لا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبه بداية إلى أن تعاطي القات محرم، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 13241.
وأما بالنسبة لهذا الشخص الذي أخذ منك الجوال ولم يعده، فطالبه به، فإن جحد وأنكر أخذ الجوال منك فلا حرج في أن تشتكيه في قسم الشرطة وتخبر بما فعله، علماً بأن العلماء اختلفوا فيمن هذا حاله هل يعد سارقاً تقطع يده أم خائناً يكفي في حقه التعزير؟ بناء على اختلافهم في جاحد العارية هل يأخذ حكم السارق أم حكم الخائن؟ وعلى كل حال، فمن المعلوم أن حكم القاضي يرفع الخلاف في مسائل النزاع بين العلماء، فلك أن تقاضيه وتنظر ما تقضي به المحكمة.
ولعل من المناسب ها هنا من باب الفائدة أن نبين خلاف العلماء في هذه المسألة مع بيان الراجح، فنقول: قد اختلف العماء في جاحد العارية: هل يقطع أو لا ؟ فذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي: إلى أنه لا يقطع، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها من أصحابه الخرقي، وأبو الخطاب، وصاحب الشرح الكبير، لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس على خائن ولا منتهب، ولا مختلس، قطع. رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي.
وأجابوا عما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها. بأن هذه المرأة ذكرت بجحد العارية للتعريف، لا لأنها قطعت من أجله، وقد قطعت لأجل السرقة، ولذا وردت لفظه (السرقة) في روايات الحديث، والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أنه يقطع وهو المذهب عند الحنابلة. قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي فقلت له: تذهب إلى هذا الحديث؟ فقال: لا أعلم شيئاً يدفعه. وبهذا القول قال إسحاق والظاهرية، وانتصر له ابن حزم.
واستدلوا بالحديث المتقدم في قصة المرأة التي كانت تستعير المتاع وتجحده، ووجه دلالة الحديث على ذلك واضحة فإن ظاهره هو أن القطع كان سببه جحد العارية، وجعلوا قوله صلى الله عليه وسلم: ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع. مخصصاً بغير خائن العارية، وهذا القول هو الراجح -إن شاء الله تعالى- فإنه لا يخفى أن المعنى الموجود في السارق موجود مثله في جاحد العارية، بل جاحد العارية أعظم، لأنه لا يمكن التحرز منه نظراً لحاجة الناس إلى العارية ومشقة الإشهاد عليها في كل مرة.
ولذا قال ابن القيم: ضرره -أي جاحد العارية- مثل ضرر السارق أو أكثر، إذ يمكن الاحتراز من السارق بالإحراز والحفظ. وأما العارية: فالحاجة الشديدة التي تبلغ الضرورة ماسة إليها، وحاجة الناس فيما بينهم إليها من أشد الحاجات ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى وجوبها، وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين، وأحد القولين في مذهب أحمد.
فترتيب القطع على جاحدها طريق إلى حفظ أموال الناس، وترك باب هذا المعروف مفتوحاً. وأما إذا عُلم أن الجاحد لا يقطع فإنه يفضي إلى سد باب العارية في الغالب. وقال في موضع آخر: ولا فرق في المعنى بين من توصل إلى أخذ متاع غيره بالسرقة وبين من توصل إليه بالعارية وجحدها.
وقال الشوكاني: فالحق قطع جاحد الوديعة ويكون ذلك مخصصاً للأدلة الدالة على اعتبار الحرز. ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية، فلو علم المعير أن المستعير إذا جحد لا شيء عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع.
والله أعلم.