الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد دون الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه جملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة ولم يدونها كلها وكذا الإمام مسلم رحمه الله وهما أصح الكتب الحديثية لتلقي الأمة لهما بالقبول، فالحرص على قراءتهما والاطلاع عليهما من أي قارئ مسلم مهم، ولكن ليس لكل قارئ استخراج الأحكام منهما ولا من غيرهما من كتب الحديث، وإنما ذلك لمن تأهل من أهل العلم للنظر والاستنباط ،وله شروط معروفة في كتب الأصول .
وقد يقول بعضهم: الأحاديث واضحة المعنى؟
فنقول قد يكون الحديث واضح المعنى ولكنه منسوخ أو مخصص أو هناك ما هو أرجح منه إلى غير ذلك من الأمور التي تجعل العمل به غير سائغ ولا يعرف ذلك إلا أهل العلم، وقد نفل الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم عند شرحه لحديث: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فاخطأ فله أجر) .اتفاق العلماء على حرمة النظر لغير المتأهل فقال: قَالَ الْعُلَمَاء: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث فِي حَاكِم عَالِم أَهْل لِلْحُكْمِ، فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ: أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ، وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ،.. فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلّ لَهُ الْحُكْم, فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْر لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ، وَلَا يَنْفُذ حُكْمه، سَوَاء وَافَقَ الْحَقّ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ إِصَابَته اِتِّفَاقِيَّة لَيْسَتْ صَادِرَة عَنْ أَصْل شَرْعِيّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيع أَحْكَامه، سَوَاء وَافَقَ الصَّوَاب أَمْ لَا، وَهِيَ مَرْدُودَة كُلّهَا، وَلَا يُعْذَر فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ .
ومن هنا ننصحك بالرجوع إلى كلام أهل العلم وفهمهم للكتاب والسنة، وعدم الهجوم على استخراج الأحكام من كتب الحديث.
وما ذكرته في الفقرة الأولى وهي الحالات الموجبة لسجود السهو فحكمها كالتالي:
إذا شك الإمام أو المنفرد في صلاته فلم يدر كم صلى فإن عليه أن يبني على اليقين وهو الأقل ويتم صلاته، فلو شك في صلاة رباعية هل صلى ثلاثا أم أربعا فعليه أن يجعلها ثلاثا ويأت بركعة ويسجد للسهو ثم يسلم، وليس له أن يجتهد ويعمل بما يغلب على ظنه على الراجح عند أهل العلم قال الإمام النووي رحمه الله: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِس : َقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - وَالْجُمْهُور: مَتَى شَكَّ فِي صَلَاته هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا مَثَلًا ؟ لَزِمَهُ الْبِنَاء عَلَى الْيَقِين، فَيَجِب أَنْ يَأْتِي بِرَابِعَةٍ وَيَسْجُد لِلسَّهْوِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا شَكَّ أَحَدكُمْ فِي صَلَاته فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اِسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُد سَجْدَتَيْنِ قَبْل أَنْ يُسَلِّم فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاته، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ قَالُوا: فَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِي وُجُوب الْبِنَاء عَلَى الْيَقِين.
وليس الأمر كما ذكرت بأنه: لا يسجد إلا إذا تيقن من الزيادة أو النقصان.
وكلامك هذا إنما هو في حق من سلم من صلاته ثم شك في الزيادة أو النقص أو نبهه غيره فالعلماء يقولون لا يسجد للسهو إلا إذا تيقن أنه زاد أو نقص لأن الأصل تمام الصلاة، وأما الشك قبل السلام فالأصل عدم تمام الصلاة، وعليه أن يتمها بيقين ثم يسجد ويسلم.
وأما كلامك في الفقرة الثانية فيما يتعلق الجماعة وتنبيههم للإمام فإنهم إذا نبهوه وهو في الصلاة لتركه التشهد الأوسط فإنه يسجد للسهو قبل السلام ويجزئه عن ترك التشهد الأوسط.
وأما إذا نبهوه بعد السلام فإن قرب الوقت فإنه يسجد فقط ولا يصح أن يعود فيأتي به، وإن نبهوه بعد طول الفصل فإنه لا يسجد.
وأما إذا ترك ركنا أو ركعة فإنه لا يجوز له أن يسلم قبل الإتيان به ولو فعل ذلك عالما عامدا فصلاته تبطل وعليه إعادتها، فما ظننته راجحا غير صحيح ولم يقل به أحد من أهل العلم فيما نعلم، وهذا يؤكد ما نبهناك عليه أولا من أنه ليس لكل أحد أن يستخرج الأحكام من الأدلة وهو قاصر في العلم.
كما أنه لا يجزئ سجود السهو عن ذلك الركن أو الركعة بل لا بد من الإتيان بذلك ثم سجود السهو.
وأما الفقرة التي ذكرت فيها طريقة السجود للسهو فكلامك فيها صحيح.
وأما الفقرة الرابعة وهي حالات السهو فكلامك فيها صحيح ما عدا العمل بغالب الظن في تحديد الزيادة أو النقص ثم العمل وفقا لذلك فغير صحيح، بل الظن لا يعمل به في هذه الحالة فإنه إذا لم يتيقن الإتيان بما يلزمه فعليه الإتيان به وسجود السهو على الراجح من كلام أهل العلم كما قدمناها عن الإمام النووي رحمه الله.
وأما ما أشكل عليك فجوابه على النحو التالي:
1- إذا تيقن قبل السلام أنه زاد في الصلاة فإنه يسجد سجدتين للسهو فقط ويسلم، وفي قول لأهل العلم أنه يسجد بعد السلام عند الزيادة.
2- إذا تيقن قبل السلام أنه انتقص من الصلاة ؟
فعليه أن يأتي بما تركه أولا إذا كان ركنا ثم يسجد للسهو قبل السلام ولا يجزئه سجود السهو عنه، وليس له أن يسلم وهو يعلم أنه بقي عليه ركن من الصلاة بل عليه الإتيان به قبل السلام.
وإذا كان ما تركه سنة كالتشهد الأوسط فلا يعود إلى الإتيان بها بل يسجد للسهو فقط.
والله أعلم.