السؤال
ما الحكم في أني قمت بسداد دين أحد الأشخاص العاجزين عن السداد من زكاتي بدون علمه، وذلك لعدم الإحراج ولقد قرأت في فتوى أنه يجب أخذ إذنه، فهل سدادي لمديونيته صحيح أم لا، مع العلم بأني لم أكن أعلم بأنه يجب أخذ إذنه باعتبار العمل خيريا؟
ما الحكم في أني قمت بسداد دين أحد الأشخاص العاجزين عن السداد من زكاتي بدون علمه، وذلك لعدم الإحراج ولقد قرأت في فتوى أنه يجب أخذ إذنه، فهل سدادي لمديونيته صحيح أم لا، مع العلم بأني لم أكن أعلم بأنه يجب أخذ إذنه باعتبار العمل خيريا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالفتوى التي قرأت واشترطت إذن الغارم -وهو العاجز عن تسديد ما عليه من دين- في قضاء الدين عنه مبنية على القول بأنه لا بد من تمليك الزكاة له، ثم هو بالخيار إن شاء سدد دينه، وإن شاء انتفع بها في شيء آخر قد يكون أهم من قضاء الدين بالنسبة له، ولكن على القول الآخر في هذه المسألة وهو أن الغارم لا يشترط تمليكه الزكاة -كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- فإنه يجوز قضاء الدين عنه مباشرة، وحجة هذا القول أن الله تعالى يقول (والغارمين) ولم يقل (وللغارمين)، فالغارم لا يشترط تمليكه، وعلى هذا يجوز الوفاء عنه، قال الإمام أبو بكر الرازي في تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة:60}: والحاصل: أن في الأصناف الأربعة الأول -أي الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم- يصرف المال إليهم حتى يتصرفوا فيه كما شاؤوا، وفي الأربعة الأخيرة -أي الرقاب والغارمين... إلخ -لا يصرف المال إليهم، بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا سهم الزكاة.
وفي الخازن في تفسيره: الأصناف الأربعة المتقدم ذكرها يدفع إليهم نصيبهم من الصدقات فيصرفون ذلك فيما شاؤوا، وأما الرقاب فيوضع نصيبهم في تخليص رقابهم من الرق ولا يدفع إليهم ولا يمكنون من التصرف فيه، وكذا القول في الغارمين فيصرف نصيبهم في قضاء ديونهم، وفي الغزاة يصرف نصيبهم فيما يحتاجون إليه في الغزو، وكذا ابن السبيل فيصرف إليه ما يحتاج إليه في سفره إلى بلوغ غرضه.
وقال الشيخ القرضاوي في كتابه فقه الزكاة: قد غايرت الآيات التي حصرت مصارف الزكاة في الأصناف الثمانية بين المصارف الأربعة الأولى والأربعة الأخيرة... فالأولون جعلت الصدقات لهم (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم)، والآخرون جعلت الصدقات فيهم (وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) فما السر في هذه المغايرة؟ ولماذا عبر عن استحقاق الأولين للصدقة بـ اللام التي هي في الأصل للتمليك، وعبر عن استحقاق هؤلاء لها بحرف (في) التي هي للظرفية؟
إن القرآن لا يضع حرفاً بدل حرف اعتباطاً، ولا يغاير بين التعبيرات جزافاً، بل لحكمة ينبه عليها بكلامه المعجز، وما يعقلها إلا العالمون، فما هذه الحكمة؟ لقد أجاب الزمخشري عن ذلك بأن العدول عن (اللام) إلى (في) في الأربعة الأخيرة للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق الزكاة من الأربعة الأولى، لأن (في) للوعاء، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصباً. الكشاف: 2/45-46 طبع مصطفى الحلبي 1367هـ).
وعقب ابن المنير في الانتصاف على كلام الزمخشري بالتنبيه على نكتة أدق وأعمق: وثم سر آخر هو أظهر وأقرب. وذلك أن الأصناف الأربعة الأوائل ملاك لما عساه يدفع إليهم، وإنما يأخذونه ملكاً، فكان دخول اللام لائقاً بهم، وأما الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم، بل ولا يصرف إليهم، ولكن في مصالح تتعلق بهم، فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون والبائعون، فليس نصيبهم مصروفاً إلى أيديهم، حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بتملكهم لما يصرف نحوهم... وإنما هم محال لهذا الصرف والمصلحة المتعلقة به، وكذلك الغارمون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصاً لذممهم لا لهم.
وبهذا يعلم أنه لا بأس أن تقضي عن هذا الشخص دينه من الزكاة، ولكن يُعلم بقضاء الدين عنه، وإن لم يعلم من قضاه حتى لا يظل مشغول البال بهذا الدين، وحتى لا يقوم هو بدفعه مرة أخرى إلى الدائن أو إلى ورثته.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني