الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

طالب تونسي أدرس سنة أولى، مدة دراستي 4 سنوات كثير من المواد يجب علي حضورها جامعتي مختلطة وأنا أغض بصري .قرأت أغلب فتاواكم حول هذا الموضوع ولا أعلم إن كنت سأواصل دراستي أم سأقطعها. إن قطعتها لا أعرف ما أفعل هل سأخدم في وظيفة عمومية وبالتالي حلق اللحية كليا أم أدرس في مدارس التكوين المهني التي تقل فيها نسبة البنات كثيرا 2 أو 3 في القسم أخاف أن أجد نفسي عاطلا عن العمل بعد ذلك وقال لي من يدرسون هناك إن اللحية ممنوعة .فاتحت الوالدين بموضوع الزواج فوافقا وأيضا أهلها وقال أبوها أن أصبر قليلا لأني غير مستقر (تارة أدرس تارة أقول لن أدرس وسأفتش عن عمل . أفكر أيضا في أن أعمل بعيدا عن كل شيء كبناء أو عامل في البحر لكن لم أعمل من قبل وأخاف أن أجد صعوبة ومشقة. عملت من قبل في البناء وفررت لصعوبته .لا أريد السفر إلى بلاد أخرى لأني عصيت والدي كثيرا قبل الصلاة وقطعت رحمي وأريد أن أصلح ما فعلته ؟
أفتوني جزاكم الله خيرا
أحبكم في الله .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ذكرته من معصية الوالد، وقطعية الرحم، هي في الحقيقة معاص كبيرة تستوجب التوبة والإنابة إلى الله تعالى.

كما أن قولك: لأني عصيت والدي كثيرا قبل الصلاة، يفهم منه أنك كنت في فترة من عمرك لا تصلي، وهذه أكبر من سابقاتها. ولك أن تراجع في موضوع ترك الصلاة فتوانا رقم: 17277.

ولكن من سعة رحمة الله أنه جعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهو يغفر الذنوب جميعا كما ورد في محكم كتابه حيث قال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، ويقول جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. رواه البخاري.

واختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وحلق اللحية، يتنافيان مع التوبة، ويمكنك أن تراجع في أولاهما فتوانا رقم: 2523 ، وفي الثانية فتوانا رقم: 37208.

وعليه، فلا ننصحك بمواصلة دراستك في الجامعة التي ذكرت أنها مختلطة، كما أننا لا ننصحك بالخدمة في وظيفة يتحتم عليك فيها حلق اللحية ما لم تضطر إلى شيء من ذلك.

والذي نراه أقرب إلى الصواب هو أن تبحث عن التعلم في مؤسسة لا اختلاط فيها ولو خارج بلدك إن أمكنك ذلك، أو أن تبحث عن عمل حر إن كنت تستطيعه. وإذا لم يتيسر لك شيء من ذلك، واضطررت –حقا– إلى الوظيفة، فإن الضرورات تبيح المحظورات، وحد الضرورة هو ما يغلب على الظن وقوع المرء بسببه في الهلكة، أو أن تلحقه بسببه مشقة لا تحتمل، أو لا يتمكن المرء معها من تحقيق الحد الأدنى من حياة الفقراء.

فإذا تحقق هذا الحد فيك، ولم تجد وسيلة تغني عن شيء مما ذكرت، فلا بأس حينئذ بأن ترتكب أخف الأمور المتاح لك.

ولا شك في أن مدارس التكوين المهني التي ذكرت أنها تقل فيها نسبة البنات، تعتبر أخف مما ليس كذلك.

كما أنك إذا علمت أنك قد لا تنجو من فتنة النساء –ومعلوم أنها أعظم فتنة-، فإن حلق اللحية في مقابل ذلك يكون أخف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني