السؤال
أريد أن أستفسر عن شبهة بارك الله فيكم. هل صحيح أن الأنصار حين استقبلوا المهاجرين عرضوا عليهم أن يختاروا من زوجاتهم فيطلقها الأنصاري ليتزوجها المهاجر. إن كان ذلك صحيحا فهل يفسر أنه إيثار أم أنه امتهان للمرأة وجعلها بضاعة يهديها أحدهم لآخر دون اعتبار إنسانيتها. شيوخنا الأفاضل أرجو الجواب الشافي على هذه الشبهة لطرد وساوس الشيطان.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع وكان كثير المال، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالا سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها. فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك، فلم يرجع يومئذ حتى أفضل شيئا من سمن وأقط، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه وضر من صفرة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهيهم، قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: ما سقت إليها؟ قال: وزن نواة من ذهب أو نواة من ذهب. فقال: أولم ولو بشاة. اهـ.
وليس فيما ذكر امتهان للمرأة، وإنما يتنازل عنها بالطلاق سعد ثم تعتد ثم يتزوجها عبد الرحمن بعد رضاها؛ لأن الثيب قد تقرر في الشرع أنها لا تزوج برجل إلا إذا صرحت نطقا بقوله، فقد اتفق العلماء أنه لا بد من رضا الثيب. قال الإمام ابن رشد: وأما النساء اللاتي بعتبر رضاهن في النكاح: فاتفقوا على اعتبار رضا الثيب البالغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: والثيب تعرب عن نفسها. رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي. اهـ.
ويدل لهذا ما ورد من التفصيل في روايات أخرى فقد ذكر ابن حجر في الفتح أن في رواية ابن سعد: فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا، وقال: لي امرأتان، وأنت أخي لا امرأة لك، فأنزل عن إحداهما فتتزوجها. وفي رواية إسماعيل بن جعفر: ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها، فإذا حلت تزوجها. وفي حديث عبد الرحمن بن عوف: فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها، فإذا حلت تزوجتها. ونحوه في رواية يحيى بن سعيد وفي لفظ: فانظر أعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها. وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عند أحمد: فقال له سعد: أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان فأنظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها.
هذا ومن المعلوم أن الغالب عن هذه المرأة لو طلقها زوجها أنها سترضى بعبد الرحمن بن عوف زوجا لها وذلك لأكثر من سبب.
الأول: أنها صحابية جليلة تحب الدين وأهله، وتعلم أن عبد الرحمن من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ترك وطنه وماله وأهله وهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرارا بدينه واعتزازا بربه واتكالا عليه، فهو أهل لأن يقدر له هذا الموقف.
الثاني: أن عبد الرحمن من وسط مرموق فهو من أوسط قريش نسبا.
الثالث: أنه تاجر ماهر ذو خبرة عالية في التجارة وقد يكون ممن عُرفوا بذلك في الجاهلية، والنساء يرغبن في الزواج بالرجل الناجح لاسيما إذا كان ينحدر من وسط محترم.
والله أعلم.