السؤال
سؤالي هو: من جديد عن اللحية, فأنا أعتز بها وبمظهري الإسلامي, ولكن تصوروا أنه لا يوجد في جامعتي كلها التي تضم حوالي 50 ألف شخص لا يوجد ولا واحد منهم مطيل للحيته, فتخيلوا موقفي الصعب, لا يمر يوم واحد, يوم واحد فقط, إلا وأسمع تعلقيا من الناس الذين أعرفهم على لحيتي, الناس ينظرون إلي بغرابة في الشارع, أمي عادت للصلاة بعد تركها لأكثر من عشرين عاما بعدما قرأت فتاويكم عن تارك الصلاة, ولكن عندما علمت بأني أطلت لحيتي لقراءتي تحريم حلقها في نفس الموقع, تركت الصلاة، وقالت إنكم أشخاص متتشدون, وهانت الصلاة في عينها من جديد, وهي غاضبة علي دائما بسبب اللحية, ودائما تطلب مني حلقها هي وأبي، فماذا أفعل، وأكرر أنا غير منزعج من اللحية أبداً ولا أبحث عن طريقة أو منفذ في الشرع كي أحلقها؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن تحريم حلق اللحية أمره واضح لك كما ذكرت، ولكن بقي علاج موضوع الوالدة ونحن ننبهك إلى بعض الأمور، منها: أنه ليس عليك إثم في عدم طاعتها في معصية الله، بل يجب عليك عدم طاعتها في ذلك، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما في حديث الصحيحين: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وعليك بالدعاء لها ومحاورتها بالحسنى ووصية من ترجى منهم استجابة الدعاء أن يسألوا الله لها الهداية، ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت يا رسول الله: إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من شدة الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيراً.... إلى آخر الحديث.
ويتعين أن توضح لها أن الذي يتخوفه الناس على بنيهم إذا استقاموا على الدين إنما هو من تخويف الشيطان، وأن الاستقامة على الإيمان والعمل الصالح هو مصدر عز الأمة وفلاحها ونصرها، وأمنها والدفع عنها والتمكين لها، ومحبة الله لها، وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة، كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1}، وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ {المنافقون:8}، وقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ {الروم:47}، وقال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {الأنعام:82}، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55}، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {مريم:96}، وقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {الأعراف:96}، وقال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97}.
وعليك أن تهتم بمظهرك وزيك وملبسك وعطرك وغير ذلك مما لا يخالف الدين، وأن تخالقها مخالقة طيبة، وأن تترفق بها وتبين لها أنك تؤمن بأن التشدد في الدين مذموم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا. رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية أخرى: إن الدين يسر، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
وبين لها معنى التشدد المذموم، فقد بين العلماء معنى التشديد المنهي عنه في الحديث، فقال ابن حجر في شرح هذا الحديث: وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل. انتهى. وقال أيضاً: وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع، كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر. انتهى.
فعُلم بذلك أن التشدد هو: المبالغة في تنفيذ الأمر بما يشق على النفس، ويكون سبباً في نفورها ومللها، وعُلم كذلك أن التيسير هو: الأخذ بالرخصة عند الحاجة إليها، وتنفيذ الأوامر الشرعية بأسهل الطرق المشروعة، وليس معناه التفريط أو التساهل في أداء التكاليف الشرعية، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35314، 66069، 53321.
والله أعلم.