السؤال
قضية هل يؤخذ الدين بالعقل فنرى إنكارا لهذا من جانب واستخداما له حسب الحاجة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالدين إنما يؤخذ بالشرع لا بالعقل، لكن لا يمكن أبداً أن يقع تناقض بين الشرع والعقل السليم، فمثال العقل مع الشرع كمثال العين مع الشمس، فإذا فتحت العين وكانت سليمة رأت الشمس.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ما عُلم بصريح العقل لا يُتصور أن يعارض الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط... ويقول أيضاً: وعلى المعتزلة الذين حكّموا عقولهم في نصوص الوحي، ومن سار على نهجهم وتتبع خطاهم أن يعلموا أنه لا يوجد حديث على وجه الأرض يخالف العقل، إلا أن يكون ضعيفا أو موضوعاً.
ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في كتابه الظلال: والعقل بمصاحبة وحي الله وهداه بصير، وبترك وحي الله وهداه أعمى... فالتفكر مطلوب، والحض عليه منهج قرآني، ولكنه التفكر المضبوط بضابط الوحي، الذي يمضي معه مبصراً في النور، لا مطلق التفكر الذي يخبط في الظلام أعمى بلا دليل ولا هدى ولا كتاب منير...
ولا يعني هذا أن الإسلام لم يحترم العقل، فليس ثمة دين يقوم على احترام العقل كالإسلام، وليس هناك من كتاب أطلق سراح العقل وأعلى من قيمته وكرامته كالقرآن الكريم، وكم في القرآن من قوله تعالى:(لعلكم تعقلون)، (لقوم يتفكرون)، (لقوم يفقهون).
يقول الشاطبي رحمه الله: اهتم الإسلام بالعقل اهتماماً بالغاً وجعله مناط التكليف، فإذا فقد ارتفع التكليف، ويُعَد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه.
إلا أن للعقل مجالاته وحدوده، لأنه محدود الطاقات بحدود الزمان والمكان فلا يستطيع أن يدرك كل الحقائق مهما أوتي من قدرة على الاستيعاب، ولذا فإن دوره مع الشرع هو الامتثال، حتى ولو لم يدرك الحكمة.
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: إن للعقل البشري وزنه وقيمته بوصفه أداة من أدوات المعرفة والهداية في الإنسان.. هذا حق... ولكن هذا العقل البشري هو عقل الأفراد والجماعات في بيئة من البيئات، متأثراً بشتى المؤثرات... ليس هناك ما يسمى (العقل البشري) كمدلول مطلق! إنما هناك عقلي وعقلك، وعقل فلان وعلان، وعقول هذه المجموعة من البشر، في مكان ما وفي زمان ما... وهذه كلها واقعة تحت مؤثرات شتى تميل بها من هنا، وتميل بها من هناك.
ولا بد من ميزان ثابت، ترجع إليه هذه العقول الكثيرة فتعرف عنده مدى الخطأ والصواب في أحكامها وتصوراتها، ومدى الشطط والغلو، أو التقصير والقصور في هذه الأحكام والتصورات... والله يضع هذا الميزان للبشر. وراجع للفائدة والتفصيل الفتاوى ذات الأرقام التالية: 61378، 23028، 21525.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني