الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن علماء المسلمين المصلحين المخلصين لدينهم وأمتهم المتبعين لهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه قد بذلوا جهدا كبيرا يؤجرون عليه ويشكرون في إصدار الفتاوى الشرعية المؤصلة بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الراسخين في العلم من السلف الصالح وبينوا للناس الأحكام الشرعية حسب ما أتيح لهم من الوسائل المحدودة.
وليس كلما ورد في فتاواهم يحرم أو يطلق التحريم بدون دليل شرعي، وإنما المعتبر في التحريم عندهم ما دل الدليل الشرعي على تحريمه، لقول الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ {النحل: 116} ومن المعلوم عندهم أن الأصل في الأشياء والمعاملات الإباحة ما لم يدل دليل شرعي على تحريمها، كما قال سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا {البقرة: 29}
وللسائل الكريم وغيره أن يسال المفتي عن دليل الحكم أو الفتوى ليطمئن قلبه ويتثبت لأمره، وعلى المفتي أن يبين له الدليل ما لم يكن عنده عذر بعدم ذكره كأن يكون الدليل خفي المأخذ والسائل عامي، كما قال صاحب المراقي:
ولك أن تسأل للتثبت * عن مأخذ المسؤول لا التعنت
ثم عليه غاية البيان * إن لم يكن عذر بالاكتنان
وبخصوص الربا فإن تحريمه لا يمتري فيه مسلم كما هو معلوم من نصوص الوحي الصريحة الصحيحة حتى أصبح من المعلوم بالضرورة عند المسلمين، والربا محرم في الأديان السماوية وإن كان أصحابها قد استحلوه في هذا العصر فهو محرم عليهم في دينهم، وبعضهم يعلم ذلك ولا شك.
ولا يخفى على العاقل الحِكم التي من أجلها حرم الربا، فبه يستغل الأغنياء والأقوياء الفقراء والضعفاء، وبه تتكدس الأموال في أيدي فئة قليلة دون غيرهم، وبه يزداد الأغنياء غنى والفقراء ضعفا وفقرا.. وهذا كله يتنافى مع ما جاء به الإسلام من عدل ورحمة ومواساة...
والإسلام لم يحرم شيئا إلا وجعل له البديل المناسب، فعندما حرم الربا أباح البيع والمعاملات الكثيرة التي من خلالها يتبادل الناس الأشياء والمنافع والخدمات ، وعندما حرم الزنا أباح النكاح، وهكذا في كل محرم فيمكن للإنسان أن يستغني عنه بما هو مباح وأكثر نفعا وأقل ضررا.
ولهذا سعى علماء المسلمين في إيجاد البدائل عن البنوك الربوية والمؤسسات التي تتعامل بالحرام ببنوك إسلامية تتعامل وفق الشريعة الإسلامية، وقد أصبحت منتشرة في كثير من أنحاء العالم وصوتها مسموع لا ينكر ذلك إلا مكابر
ثم إنه لا مانع شرعا من نصح العلماء وتوجيههم ونقدهم وتصويب أخطائهم، وكذلك الأمر بالنسبة للحكام فالنصيحة والتوجيه واجب كل مسلم لأخيه المسلم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم
وبهذا تعلم أنه لا أحد فوق النصح، والعلماء والحكام هم أحوج الناس إلى ذلك، ولا عصمة لأحد بعد الأنبياء عليهم السلام.
وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ختام الإجابة أو الفتوى بقول (الله أعلم) فهو من الأدب مع الله تعالى وتعظيمه ووصفه بصفة من صفاته العلى وباسم من أسمائه الحسنى، كما قال سبحانه وتعالى: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ {الكهف: 22} وقال تعالى: أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ {هود: 31} وقال: وهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم: 32}
ورد العلم إلى الله تبارك وتعالى في الأمور كلها معروف من هدي السلف الصالح تجد ذلك كثيرا في ختام فتاواهم وكتبهم، وهو أدب رفيع لا يلزم منه عدم ثقة القائل في قوله، ولكنه يسند العلم الكامل إلى الله تعالى الذي يعلم حقائق الأمور ويعلم السر وأخفى، وكما قال سبحانه وتعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ {يوسف:76}
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18824، 29986، 35611، 2652
والله أعلم.