السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم..
رزقكم الله تعالى رضوانه والجنة.. عندي سؤالان بارك الله تعالى فيكم..أولاً: كيف يمكن التفريق بين البلاء والابتلاء والمصيبة، هل من تأصيل دقيق لذلك وهل يمكن أن يعرف المرء في أي قسم ما أصابه، وهل في كل الحالات يعتبر مأجورا إن صبر واستعان بالله، حتى لو كان ما أصابه جراء معصية ارتكبها مثلا، وكذلك هل يجوز القول أستعين بالله وبك، أم هذا لا يجوز، ويجب القول أستعين بالله ثم بك، وإن كنت قاصدا في الكلام أستعين بالله (إجمالا معتمدا عليه) وبك (أي كسبب من الله جل وعلا) أم أصلا لا يجوز التلفظ بهذا، وجزيتم خيراً؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالبلاء والابتلاء معناهما الاختبار والامتحان، قال في النهاية: والمعروف أن الابتلاء يكون في الخير والشر معا من غير فرق بين فعليهما، ومنه قوله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً... {الأنبياء:35}، ومنه الحديث: من أبتلي فذكر فقد شكر... والابتلاء في الأصل الاختبار والامتحان، يقال بلوته وأبليته وابتليته.
ومنه حديث كعب بن مالك: ما علمت أحداً أبلآه الله أحسن مما أبلاني. ومنه الحديث: اللهم لا تبلنا إلا بالتي هي أحسن أي لا تمتحنا....
وفي فتح القدير للشوكاني، عند تفسير قول الله تعالى: إن هذا لهو البلاء المبين قال: البلاء والابتلاء: الاختبار والمعنى: إن هذا هو الاختبار الظاهر حيث اختبره الله في طاعته بذبح ولده...
والمصيبة تقال لكل ما أصاب الإنسان من نوائب الدهر، قال في لسان العرب: والصابة والمصيبة: ما أصابك من الدهر.
وقد تبين من هذه التعريفات أن البلاء والابتلاء أعم من المصيبة، لأنهما يكونان في الخير والشر، وأما المصيبة فلا تكون إلا في الشر، والمرء إذا اختبر بنعمة أنعم الله عليه بها لتبين ما سيكون حاله من شكر لتلك النعمة أو كفران لها، فهذا إنما يوصف بأنه بلاء وابتلاء، ولا يمكن وصفه بأنه مصيبة، وأما إذا اختبر ببعض الفواجع والدواهي لتبين ما سيكون عليه حاله من الصبر أو الجزع، فهذا يمكن أن يوصف بأنه مصيبة وبلاء واختبار.
ولا شك أنه في كل الحالات يعتبر مأجوراً إن شكر النعم التي وقع الاختبار بها، بصرفها فيما يرضي الله، أو صبر واستعان بالله في حالة ما إذا كان الاختبار ببعض المصائب، ولا يتغير هذا الحكم بما إذا كان ما أصابه هو بسبب معصية ارتكبها وتاب منها، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما في الحديث الصحيح، ولا يجوز قول أستعين بالله وبك، ولو كان المتكلم لا يقصد التشريك، لأن هذا اللفظ مما نهى عنه الشارع، وفيه سوء أدب مع الله، ففي زاد المعاد لابن القيم عند الكلام على الحديث الشريف: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم ما شاء فلان... قال: وفي معنى هذا الشرك المنهي عنه قول من لا يتوقى الشرك: أنا بالله وبك، وأنا في حسب الله وحسبك، ومالي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، وهذا من الله ومنك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض، والله، وحياتك، وأمثال هذا من الألفاظ التي يجعل فيها قائلها المخلوق ندا للخالق، وهي أشد منعاً وقبحاً من قوله: ما شاء الله وشئت.
والله أعلم.