السؤال
لدي سؤال استفهامي وهو ليس سؤالا نقاشيا – كوني من أهل السنة والجماعة وأرجو من الله ألا أكون من أصحاب البدع. هل يوجد في عقيدتنا نص واضح من القرآن الكريم أو السنة مفاده أن القرآن الكريم لم يخلق ؟ وهل يجب تكفير من قال بخلق القرآن الكريم؟ علماً بأني أعلم أن بدعة خلق القرآن الكريم هي بدعة تعطيل لصفات لله عزوجل. ونحن نعلم أن عيسى إبن مريم "كلمة الله" وهو مخلوق. لماذا لا يكون القرآن الكريم مخلوقا دون تعطيل أو تشبيه لصفات الله عزوجل ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد الله الذي هداك للانتماء إلى أهل السنة والجماعة، ورزقك الاستقامة على منهجهم في العقيدة والعمل. واعلم أن مذهب السلف قاطبة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، تكلم الله به حقيقة بصوت وحرف، وأسمعه جبريل، ونزله على محمد صلى الله عليه وسلم. فإذا تقرر أن القرآن كلام الله، وأن كلام الله صفة من صفاته فإن من الكفر اعتقاد أن صفة الكلام أو غيرها من صفات الله تعالى مخلوقة، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات. ولقد دل الكتاب والسنة على أن القرآن كلام الله تعالى، وأن الكلام صفة من صفاته قائمة به سبحانه، فقال جل تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً{النساء: 164}. وقال أيضاً: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ{لأعراف: 143}. وقال: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ {التوبة:6}. وقد بوب البخاري في صحيحه هذه الأبواب:باب: كلام الرب مع جبريل، ونداء الله الملائكة" ، " باب: كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم"، " باب: كلام الرب مع أهل الجنة" ، وأورد تحت كل باب منها أحاديث، ومن ذلك: ما رواه عن عدى بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مامنكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة. ومن ذلك أيضا ما رواه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا. وليعلم أن بدعة القول بخلق القرآن بدعة حادثة بعد جيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم تولى كبرها المعتزلة، وساعد على ظهورها تبني أركان الدولة لها وحملهم الناس عليها بقوة السيف. وليس لأصحاب القول بأن القرآن مخلوق أي دليل يستندون إليه، وإنما شبهات علقت في قلوبهم لما تركوا الاهتداء بالكتاب والسنة وعولوا على أفهامهم وأهوائهم. فنوصي الأخ السائل بقراءة ماكتبه السلف في إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وأن القرآن ليس بمخلوق، ونوصيه كذلك بالابتعاد عن شبهات المبتدعة، وليسعك ماوسع السلف الكرام من إثبات صفة الكلام لله تعالى، وإذا أردت أن تقف على وهاء قول من ذهب إلى أن القرآن مخلوق ـ فارجع إلى كتاب" الحيدة" للإمام عبد العزيز لكناني الذي حكى فيه مناظرته لبشر المريسي المعتزلى المبتدع، وذلك بحضرة الخليفة المأمون، وانظر أيضا الرد على شبهات القائلين بخلق القرآن في كتاب " شرح العقيدة الطحاوية" للإمام ابن أبي العز الحنفي. وأما اعتقاد أن كلام الله مخلوق لأن نبي الله عيسى مخلوق مع أنه كلمة الله، فاعتقاد باطل مبني على فهم باطل، فقد قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{آل عمران:59}. وقال أيضاً: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ {النساء: 171}. فقوله: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ " يدل على أن الله خلق عيسى ابن مريم عليه السلام بالكلمة، وليس معنى الآية أن عيسى عليه السلام كلمة، لأنه بشر يأكل ويشرب وتجري عليه جميع الأحوال البشرية، عليه وعلى نبينا وسائر النبيين صلاة الله وسلامه. فسمى الله عيسى عليه السلام كلمته لوجوده بقوله: (كن). قال الإمام أحمد في ( الرد على الجهمية والزنادقة): " الكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: كن : فكان عيسى بكن، وليس عيسى هو: كن. ولكن كان يكُن. فكن من الله تعالى قولاً ، وليس كن مخلوقاً. وكذب النصارى والجهمية على أمر الله في أمر عيسى. اهـ. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبرائيل عليه السلام إلى مريم، فنفخ فيها من ورحه بأمر ربه عز وجل، فكان عيسى بإذن الله عز وجل، فهو ناشئ عن الكلمة ـ التي قال له: كن، فكان ـ والروح التي أرسل بها جبرائيل عليه السلام. اهـ.
وانظر الفتويين: 3988 ، 42856.
والله أعلم.