السؤال
أنا لدي مشلكة بسيطة وهي أني أحب شابا مع أني شاب أيضا لكني لا أنظر إليه بشهوة وليست لدي نية سيئة اتجاهه ولكني أحبه أسعد لرؤيته وأغار ممن هم حوله حتى أنني أكتئب إذا ما رأيته. فدلوني على ما يساعدني على التخلص من هذا الشعور الذي يضايقني كثيرا مع العلم أني رجل محافظ على فروضي.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الذي تشكو منه وهو ( التعلق ) بشخص تحبه ليس مشكلة بسيطة كما تظن، بل إنه داء والواجب عليك الاجتهاد في التخلص منه. فإن الشريعة رغبت في الأخوة في الله ورتبت الثواب على المحبة فيه، وانظر أدلة ذلك في الفتاوى التالية: 52433 ، 36991 ، 30426. أما التعلق بشخص معين، فهو أمر آخر غير مجرد المحبة في الله التي تزيد إذا رأيته على طاعة وتقل إذا رأيته على معصية، وإنما التعلق هو قبول الشخص كما هو والأنس به والشوق إليه إذا غاب عنك، والغيرة عليه إذا وجدته مع غيرك، وعدم الرغبة في مفارقته، والتكدر إذا انصرف عنك، بل يصل الأمر بالبعض إلى أن يمرض إذا غاب من يحبه عن ناظريه أو وقع بينهما شيء أفسد العلاقة بينهما. وفي ذلك يقول ابن القيم: من أحب شيئا سوى الله عز وجل فالضرر حاصل له بمحبوبه: إن وجد وإن فقد، فإنه إن فقده عذب بفواته وتألم على قدر تعلق قلبه، وإن وجده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته: أضعاف أضعاف ما في حصوله له من اللذة:
فما في الأرض أشقى من محب * وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حال * مخافة فرقة، أو لا شتياق
فيبكي إن نأوا، شوقا إليهم * ويبكي إن دنوا، حذر الفراق
فتسخن عينه عند التلاقي * وتسخن عينه عند الفراق اهـ.
ولا شك أن هذه العلاقة مذمومة وأنها من مصائد الشيطان التي يصيد بها بني آدم، فلا يبقى في قلب العبد حظ لربه جل وتعالى، بل حتى العبادات المحضة التي يتقرب بها العبد لمولاه يكون فيها قلب ذلك الشخص هائماً مع من يحب. ومن مضار هذا التعلق أنه قد يوقع المرء في الشرك دون أن يدري، ونقصد بالشرك هنا شرك المحبة، فيشرك هذا الشخص حبيبه في عبادة من أهم عبادات القلب التي تصرف لله تعالى وحده!! ولذلك يحرص الشيطان على تزيينها في قلب العبد، ويلبسها لبوس الأخوة في الله وشتان بينهما. ثم إن هذه العلاقة وإن طالت إلا أنها تنقلب إلى عداوة وبغضاء شديدين، ومثلها في ذلك مثل كل غلو فإنه يولد غلوا لكن في الطرف الآخر، ولذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك فقال: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. وهذا الحديث من الطب النبوي للقلوب، وهو من باب الوقاية من الداء الذي ابتليت به. هذا، ونوصيك بأن تقرأ الفتوى رقم: 9360، واجتهد في تطبيق خطواتها بقدر المستطاع، كما نوصيك أن توسع قليلاً من دائرة إخوانك المقربين، بحيث ينافسون صديقك على حيزه في قلبك. ومما يفيدك في علاج ذلك الأمر ـ الانشغال بحفظ كتاب الله بحيث تلقيه على شيخك يومياً. وننصحك بقراءة كتاب "أسماء الله الحسنى الهادية إلى الله والمعرفة به" للعلامة عمر الأشقر، واقرأ كتاباً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وليكن "الرحيق المختوم". فبقراءة هذين الكتابين يزيد حبك جداً لله ورسوله، فإن حبك للشيء يزيد بزيادة معرفتك به. واعلم أن الحال التي تشكوها يقع فيها كثير من الشباب خصوصاً في سن المراهقة، ثم تهدأ الأمور غالباً بعد تجاوز تلك المرحلة. والسبب الغالب في نشوء مثل تلك العلاقات هو الفراغ العاطفي الذي يقع فيه من كان في هذه المرحلة، خصوصاً إذا كانت الجسور شبه مقطوعة مع الوالدين وباقي أفراد الأسرة. وهذه المرحلة تنتهي تلقائياً مع زيادة النضج العقلى للشاب، وبانخراطه في صفوف طلبة العلم المجدين، وبالزواج وإنجاب الأبناء والقيام على تربيتهم. هذا، ونوصيك بتقوى الله ومراقبته واستشعار نظره إليك، واسأله سبحانه أن يقوي قلبك وأن يجعله خالصاً له لا شريك له. واستفد من كتاب "استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس". للحافظ ابن رجب الحنبلي، وكذلك أول اثني عشر باباً من كتاب "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" للإمام ابن القيم.
والله أعلم.