السؤال
يا شيخ أنا عندي لبس في شيء وهو أنكم ـ والجمهور ـ تقولون أن الحدود يقيمها الإمام أو نائبه وأن ليس للأب ولا الزوج ولا حتى أحد آخر أن يقوم بذلك بسبب المفسدة وغير ذلك ، ولكن يا شيخ لا يوجد دليل على هذا لا من كتاب ولا من سنة صريح وأنا وقفت على جملة من الأحاديث أريدكم أن تفهموني لماذا أقيمت الحدود من دون إذن الإمام ولا نائبه واقر ذلك النبي الفعل وخليفته وهي كالتالي: 1- حديث سعد لما بين أنه لو وجد رجلاً مع زوجته لقتله .. فالنبي أقره ، وهنا السؤال كيف لسعد يقتل رجلا آخر من دون أربعة شهود للزنا أو حتى لم تقر الزوجة أليس من العدل أن يقتل قصاصا لو فعل وثم لماذا أقر النبي القتل وهو أي تطبيق الحد بنظر سعد رضي الله عنه؟
2- القصة التي في كتاب الصارم المسلول لابن تيمية وهو عندما كانت المرأة تسب النبي وزوجها يمنعها وتسبه إلى أن قتلها وهي نائمة بسيفه وقد أقر هذا الفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو حد أقيم من قبل أحد الأشخاص .. وهذه القصة تعمل لي إشكالا في الفهم.
3- وفي كتاب المغني ص535 لما تكلم الخرقي عن مسألة الصالحة ، وعند قول ابن قدامة : \" وإذا وجد رجل يزنى بامرأته فقتله فلا قصاص عليه ولا دية \" وقد أورد حديثاً في هذا عن عمر مع من قتل رجلا زنى بامرأته فقال له عمر : \" إن عادوا فعد \" والسؤال أن طيب الرجل أقام الحد وقتل الرجل ولم ينكر عليه عمر .. يا شيخ هل يصح أن نقول أن الأصل هو إقامة الحدود بمباشرة الإمام أو نائبه وهل يستثنى من هذا الأصل أو بعبارة آخرى متى يجوز إقامة الحد على الآخرين أو الشخص الجاني هل في حالات .. أنا لا أريد كلام العلماء في المسألة لأن كلامهم يحتج عليه لا به وإنما أريد الاستدلال بأحد مصادر التشريع ويكون استدلالاً قوياً وإلا يا شيخ ستلتبس علي الأمور فما ذكرته آنفا لكم يدل على أن الأب أو الزوج أو غير الإمام أو نائبه يصح له إقامة الحد ولا قصاص ولا دية بل ولا كفارة عليه لأنه قتل صحيح .. ولا أدري لماذا التعزير له وهذه النصوص لا تعزير فيها .. يا شيخ أرجو بيان ما هو الخلاف في المسألة والراجح بكلام يزيل اللبس الذي عندي فأنا أبحث وأسأل عن هذه المسألة منذ أكثر من سنة ولم أجد أحدا يجيبني والله يعلم.
والسلام.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقولك إنك لا تريد كلام العلماء في المسألة خطأ، لأن كلامهم بيان لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يعرفون المحكم والمتشابه، وهم الذين يميزون بين الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والعام والخاص، ونحو ذلك مما لم يجعله الله لعامة الناس.
واعلم أن جميع ما ذكرته ليس فيه دليل على ما تريد إثباته، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقر سعداً على مقالته وإنما بين للصحابة شدة غيرة سعد التي يمكن أن تحمله على هذا الفعل، وأما حكم المسألة فمعروف عند الصحابة وقد نطق به الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه... الحديث متفق عليه.
والمرأة التي ذكرت أن زوجها قتلها، قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنها كانت أم ولده وليست زوجته، ولم تكن مسلمة، وقد قتلها لأنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا في أول الإسلام، وراجع في القصة الفتاوى الكبرى لابن تيمية، فليس في موضوعها دليل لما تريد.
والقصة التي وردت عن عمر رضي الله عنه في الرجل الذي ذكرت، وقوله له: إن عاد فعد لا تعتبر أيضاً دليلاً، لأن الرجل فعل ما فعل من باب الدفاع عن الحريم وليس من باب إقامة الحد، ولو كان في هذا الخبر حجة لما قال علي بعد ذلك فيمن قتل رجلاً وجده مع امرأته: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. رواه مالك في الموطأ، وهو عند البيهقي والشافعي وغيرهم.
وقد ترجم البخاري قال: باب من رأى مع امرأته رجلاً فقتله، قال ابن حجر في فتح الباري: وقد اختلف فيه، فقال الجمهور عليه القود، وقال أحمد وإسحاق: إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه، وقال الشافعي يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم...
ولو أعطي لكل شخص أن يستوفي لنفسه الحد الذي لزم، فكيف يكون الحال إذا طلع علينا كل يوم شخص قاتل لشخص آخر بحجة أنه وجده يزني؟ وهل يمكن تصديق كل من ادعى شيئاً كهذا؟
وحتى على تقدير أن المقيم للحد قد اعتمد على شهود شهدوا له بما أراد فهل تزكية الشهود وقبولهم واستيضاح موضوع الشهادة منهم يمكن أن يقوم به كل شخص؟ لا نعتقد أن عاقلاً يظن ذلك أو يقول به.
وعليه، فإقامة الحدود - حقيقة - إنما هي من اختصاص الإمام أو نائبه، وغير ذلك يفسد الأمور، ولا يصلح معه شيء، ونصوص الشرع وقواعده العامة تدل على ذلك وتقتضيه.
والله أعلم.