الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الاستجمار عند اختلاط المني بالبول، والجمع بين الاستجمار واستعمال الماء

السؤال

ما حكم الاستجمار بعد البول لمن احتلم؟ فالموضع عليه أثر المنيّ، فهل يتعيّن الماء، ولا يصحّ الاستجمار، أم يطهر الموضع حتى مع وجود أثر المني؟ وماذا عن أن أكثر الصحابة كانوا يستجمرون بدل الماء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المنيّ طاهر، على القول الراجح عند الحنابلة، والشافعية، كما سبق في الفتوى: 63403.

لكن المنيّ إذا اختلط بنجاسة البول؛ فإنه يصير نجسًا، وانظر الفتوى: 365923، فإن فيها كلام الحنابلة، والشافعية في هذه المسألة مع قولهم بطهارة المني.

وإذا صار المني نجسًا لاختلاطه بنجاسة البول؛ فإنه يجزئ فيه الاستجمار، إلا إذا انتشرت النجاسة عن المحل المعتاد، بحيث وصلت إلى نصف الحشفة -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- فإنه يتعيّن استعمال الماء.

قال ابن قدامة في المغني: وما عدا المخرج، فلا يجزئ فيه إلا الماء. وبها قال الشافعي، وإسحاق، وابن المنذر، يعني إذا تجاوز المحل بما لم تجر به العادة، مثل أن ينتشر إلى الصفحتين، وامتد في الحشفة؛ لم يجزه إلا الماء؛ لأن الاستجمار في المحل المعتاد رخصة؛ لأجل المشقة في غسله؛ لتكرر النجاسة فيه؛ فما لا تتكرر النجاسة فيه، لا يجزئ فيه إلا الغسل -كساقه، وفخذه-. اهـ. وراجع المزيد في الفتوى: 279076.

ومذهب المالكية أن الماء يتعيّن في إزالة المنيّ في بعض الحالات، جاء في الشرح الكبير للدردير المالكي: (وتعيّن) الماء، ولا يكفي الحجر (في منيّ) خرج بلذة معتادة، وكان فرضه التيمم؛ لمرض، أو لعدم ماء يكفي غسله، أو بلذة غير معتادة، أو على وجه السلس، وكان يأتي يومًا ويفارق يومًا فأكثر، أما إذا كان يأتي كل يوم، ولو مرة؛ فلا يتعيّن فيه ماء، ولا حجر. اهـ.

وأما كون بعض الصحابة -رضوان الله عنهم- كان يستجمر، فلا إشكال في هذا؛ لأن الاستجمار جائز.

والأفضل الجمع بين الاستجمار واستعمال الماء، قال القسطلاني في إرشاد الساري تعليقًا على حديث أنس المتفق عليه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء: وهذا يرد على من كره الاستنجاء بالماء، ومن نفى وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم، متمسِّكًا بما رواه ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء؟ فقال: إذن لا يزال في يده نتن. وعن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: كان لا يستنجي بالماء. وعن الزهري قال: ما كنا نفعله. وعن سعيد بن المسيب أنه سئل عن الاستنجاء بالماء، فقال: إنه وضوء النساء. ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء. وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع من الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم. وقال بعضهم: لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء.

والسنة قاضية عليهم، استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الأحجار وأبو هريرة معه، ومعه إداوة من ماء.

والذي عليه جمهور السلف والخلف -رضي الله عنهما- أن الجمع بين الماء والحجر أفضل؛ فيقدم الحجر؛ لتخفيف النجاسة، وثقل مباشرتها بيده، ثم يستعمل الماء، وسواء فيه الغائط والبول. اهـ.

وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: قوله: (يا معشر الأنصار) المراد بهم أهل قباء، كما جاء صريحًا في بعض الأحاديث، وتخصيص الأنصار بالخطاب يدلّ على أن غالب المهاجرين كانوا يكتفون في الاستنجاء على الأحجار. اهـ باختصار.

وفي كتاب الأم للشافعي: ويستنجي الرقيق البطن والغليظ بالحجارة وما قام مقامها، ما لم يعد الخلاء ما حول مخرجه، ولم يزل في الناس أهل رقّة بطون وغلظها، وأحسب رقّة البطن كانت في المهاجرين أكثر؛ لأكلهم التمر، وكانوا يقتاتونه، وهم الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستنجاء. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني