السؤال
بعد أن جمعنا الزيتون في الموسم، ذهبنا لعصره في المعصرة، فقال صاحب المعصرة: هذه كمية بسيطة، وأراد التبديل معنا بحيث يعطينا زيتًا ونعطيه الزيتون، وأثناء المبادلة بحثت عن حكم ذلك، ووجدت أنه لا يجوز، وعندما أخبرت أبي قال: إننا كنا نبادل الزيت بالزيتون منذ زمن، وبعد أخذنا للزيت ناقشته، وأقنعته بالحكم، فهل يجوز أن نأكل من ذلك الزيت؟ وهل علينا أن نخرج كفارة عنه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عليه جمهور الفقهاء أنه لا يجوز بيع الزيتون بزيته؛ لتعذّر العلم بالتماثل، وهو شرط لصحة البيع في الأصناف الربوية، وراجع في ذلك الفتوى: 141198.
وذهب أبو ثور إلى الجواز، قال ابن المنذر في الأوسط: كان أبو ثور يقول: لا بأس بالزيتون بالزيت، والدهن بالسمسم، والعصير بالعنب، واللبن بالسمن؛ وذلك أن السمن مختلف والمعنى مختلف، وإنما القياس على المعاني؛ لأن رجلًا لو حلف لا يأكل عصيرًا، فأكل عنبًا، لم يحنث، ولو حلف أن لا يأكل دقيقًا، فشرب سويقًا، أو أكل حنطة؛ لم يحنث. اهـ.
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال -كما في المستدرك على مجموع الفتاوى-: وما خرج عن القوت بالصنعة، فليس بربوي، ولا بجنس نفسه؛ فيباع خبز بهريسة، وزيت بزيتون، وسمسم بشيرج. اهـ.
وقال -كما في الفتاوى الكبرى-: ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه، من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصيغة، ليس بربا، ولا بجنس بنفسه؛ فيباع خبز بهريسة، وزيت بزيتون، وسمسم بشيرج. اهـ.
وقال البهوتي في كشاف القناع: وَقَالَ الشَّيْخُ -يعني ابن تيمية-: (وما خرج عن القوت بالصنعة كنسأ) ككلأ (فليس بربوي، وإلا) أي: وإن لم يخرج عن القوت (فجنس بنفسه، فيباح خبز بهريسة) على اختيار الشيخ. والمذهب ما يأتي من أنه لا يصح. اهـ.
وهذا هو مذهب الحنفية إذا علم أن الزيت الخالص أكثر من الزيت المأخوذ من الزيتون؛ لأنهم جعلوا الزيادة في مقابل ثفل الزيتون، قال القدوري في مختصره: ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت، والسمسم بالشيرج، حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم؛ فيكون الدهن بمثله، والزيادة بالثجير. اهـ. والثَّجير: ثُفْلُ كلِّ شيءٍ يُعْصَر.
وهذا هو مذهب الظاهرية، على قاعدتهم في الاقتصار على الأصناف الستة المنصوص عليها، قال ابن حزم في المحلى: وجائز بيع القمح بدقيق القمح، وسويق القمح، وبخبز القمح ... متفاضلًا كل ذلك، ومتماثلًا، وجزافًا، والزيتون بالزيت والزيتون ... كيف شئت متفاضلًا، ومتماثلًا، ويسلم بعضه في بعض. ولا ربا ألبتة، ولا حرام، إلا في الأصناف الستة ... وما وجدنا عن أحد قبل مالك المنع من بيع الزيتون بالزيت، ثم اتبعه عليه الشافعي، وإن كان لم يصرح به، وأجازه أبو حنيفة وأصحابه إذا كان الزيت أكثر مما في الزيتون من الزيت، وإلا فلا. اهـ.
وهناك رواية في مذهب الحنابلة بالكراهة، لا الحرمة، قال المَرْداوي في الإنصاف بعد ذكر القول بالحرمة: هذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. ونقل مهنا في الزيتون يكره. وهو قول في الرعاية. اهـ.
والمقصود أن الخلاف حاصل في المسألة، وإن كان جمهور الفقهاء على المنع؛ ولذلك نرى أنه يسوغ للسائل وعائلته الاعتماد على القول بالجواز فيما فات من العقود، ومضى من المعاملات.
وعليه؛ فلا حرج عليهم في الأكل من الزيت، ويتأكّد هذا إذا عصر المشتري الزيتون؛ لأنه لا يمكن حينها ردّ البيع وفسخ العقد.
والله أعلم.