الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم ضمان الخياط، وهل يستحق الأجرة إذا خالف الصفة المتفق عليها؟

السؤال

اتفقت مع خياط على تفصيل حرملة، وهي قطعة من القماش تُرتدى فوق الملابس لزيادة الاحتشام، واتفقنا على مبلغ معين، وأرسلت له صورًا محددة لتنفيذها بالشكل المطلوب. ولكن عندما ذهبت لاستلامها، تأخرت عن الموعد المتفق عليه، فوجدت أن الحرملة لم تكن مطابقة لما كنت أريده، بل بالعكس، قام بقصها بشكل غير لائق تمامًا. وعندما أبديت له ملاحظاتي، طلب مني تركها معه ليوم آخر، ولكني لم أكن أستطيع الذهاب إليه مجددًا بسبب ظروف السفر، فأخذتها على علم مني بأنني لن أرتديها.
الآن، أشعر أنني فقدت القماش الذي اشتريته بسعر مرتفع، ولم أستفد من القطعة التي قام بتفصيلها، وهو يطالبني بالمبلغ المتفق عليه كاملًا، رغم أنه لم ينفذ العمل بالشكل المتفق عليه. فما هو التصرف الصحيح في هذا الموقف؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالفصل في الخصومات ومسائل النزاع في الحقوق مَرَدُّهُ إلى المحاكم الشرعية أو من ينوب منابها من مجالس التحكيم، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوى والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.

وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.

والذي يمكننا إفادة السائلة به على وجه العموم:

أولاً: أن الأجير المشترك كالخياط، يضمن ما صنعت يده مطلقًا، فرَّط أو لم يفرِّط، فلو أفسد الثوب بقصه، ضمنه.

قال الخرقي في مختصره: وما حدث في السلعة من يد الصانع، ضمن. اهـ.

وقال ابن قدامة في شرحه «المغني»: الأجير المشترك هو الصانع الذي ذكره الخرقي، وهو ضامن لما جنت يده، فالحائك إذا ‌أفسد حياكته ضامن لما ‌أفسد. نص أحمد على هذه المسألة، في رواية ابن منصور. والقصار ضامن لما يتخرق من دقه أو مده أو عصره أو بسطه ...اهـ. وانظري الفتوى: 14393.

ثانياً: أن الخياط إذا قص الثوب وخاطه على غير الصفة المتفق عليها، فلا أجرة له.

قال النووي في المنهاج: لو أعطاه ‌ثوبا ليخيطه فخاطه ‌قباء وقال: أمرتني بقطعه ‌قباء. فقال: بل ‌قميصًا. فالأظهر تصديق المالك بيمينه، ولا ‌أجرة عليه، وعلى الخياط أرش النقص. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: المأذون فيه قميص موصوف بصفة، فإذا قطع قميصًا غيره، لم يكن فاعلًا لما أذن فيه، فكان متعديًا بابتداء القطع، ولذلك لا يستحق على القطع ‌أجرًا، ولو فعل ما أمر به، لاستحق ‌أجره. اهـ.

وجاء في «فتاوى الرملي» أنه سئل عن ‌خياط استؤجر لتضريب ‌ثوب بإعداد خيوط معلومة وقسمة بَيِّنَةٍ متساوية بأجرة معلومة ثم إن ضربه وخاطه بأنقص من العدد وأوسع من القسمة المشروطة عليه، فهل يستحق الأجرة بكمالها أم بالقسط أم لا يستحق شيئا لمخالفته وعدم التمكن من إتيان ما ترك ...؟ (فأجاب) بأنه لا يستحق الأجير المذكور على عمله شيئًا من الأجرة؛ لمخالفته المشروط، وعدم التمكن من إتمامه. اهـ. وانظري للفائدة الفتوى: 97125.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني