السؤال
كانت جدتي تتصرف معنا بنوع من الغضب، وعمي أتى من خارج الوطن، ولا يحدثنا وهذا الأمر حيرني.
في يوم كانت جالسة هي وزوجة عمي في حوش بيتنا وتتحدثان، تنصت إليهما فوجدتهما تتحدثان عن ضياع بعض أموال زوجة عمي، وبما أننا نسكن في نفس البيت فإنهما تشكان في وفي أخواتي.
أنا من صدمة الخبر ذهبت وأخبرت أمي وأخواتي، لم تكن نيتي الفتنة بينهم، لكن حدث العكس، وأخواتي وأنا تشاجرنا مع جدتي بسبب أنها تتهمنا بلا سبب وبلا دليل. ومن ذلك الوقت ونحن لا نتحدث مع بعضنا البعض.
أنا الآن أشعر بتأنيب الضمير، وخائفة من الله أن يعاقبني. أحس بذنب أنني أنا من أشعلت نار الفتنة، فماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنود أن ننبه أولا إلى أنه لا يجوز التنصت لحديث الآخرين، إن كانوا لا يريدون لآخر الاستماع إليه. وقد ورد بذلك وعيد في السنة الصحيحة، روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من استمع إلى حديث قوم، وهم له كارهون، أو يفرون منه، صب في أذنه الآنك يوم القيامة. قال شمس الحق أبادي في عون المعبود: (يفرون به منه )، أي لا يريدون استماعه (صُب) بصيغة المجهول، أي سُكب (الآنُك) بالمد وضم النون، أي الرصاص المذاب. انتهى.
وإن ثبت أن جدتك وزوجة عمك ظنتا بكن ظنا سيئا، واتهمتكن بأخذ المال المفقود، وليس لهما دليل على ذلك، فقد أثمتا؛ فالأصل في المسلم السلامة، فيحرم اتهامه بما يشين من غير بينة، وقد نهى الشرع من سوء الظن، قال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12}.
والأصل حرمة نقل الكلام بين الناس؛ فهذه هي النميمة، وهي سبب للفتنة في الغالب، فلذلك لا تجوز، إلا إذا رُجِيَ أن تترتب عليها مصلحة راجحة، قال النووي في شرح مسلم بعد أن نقل كلاما للغزالي عن النميمة: وكل هذا المذكور فى النميمة، إذا لم يكن فيها مصلحة شرعية، فإن دعت حاجة إليها فلا منع منها وذلك كما إذا أخبره بأن إنسانا يريد الفتك به، أو بأهله، أو بماله، أو أخبر الإمام، أومن له ولاية بأن إنسانا يفعل كذا، ويسعى بما فيه مفسدة.... انتهى.
والجدة بمنزلة الأم، فالشجار معها أمر عظيم، وإن قُدِّر أن أساءت فحقها عليكم نصحها بالحكمة والموعظة الحسنة، لا التعنيف ونحوه، جاء في الرد المحتار: في فصول العلامي: إذا رأى منكرا من والديه يأمرهما مرة، فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما، واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإن الله -تعالى- يكفيه ما أهمه من أمرهما. انتهى.
وننبه هنا إلى أهمية البر بالآباء، والأمهات، نقل القرطبي عن ابن المنذر أنه قال: والأجداد آباء، والجدات أمهات، فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا أعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الإخوة وسائر القرابات. انتهى.
وننصح في السعي في الصلح ومحاولة إصلاح الحال، فذلك من أحسن السعي ومن أفضل القربات، قال الله -عز وجل-: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 114}، وفي سنن أبي داود عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة؟ قالوا: بلى، يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة.
والله أعلم.