الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يتعامل الأخ مع أخيه الذي يسيئ إلى والديه؟

السؤال

أنا شاب أبلغ من العمر 21 عاما، لديَّ أخ أكبر مني، عمره 24 عاما، وهو يعامل والدي ووالدتي بقلّة أدب في كلامه، ليس لديه احترام في الاستماع، ويتحدث عندما يتحدثون ولا يصمت.
أسلوبه في الكلام مستفز، ويزعج أبي وأمي بشدة، وهذا يثير دمي، وأشعر بأنني في أي لحظة سأنقض عليه بالضرب، ولا أعرف ماذا أفعل.
هل أضربه أم أهجره؟
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحقّ الوالدين على الأولاد عظيم، وبرّهما من أوكد الواجبات، ومن أفضل الطاعات، كما أنّ عقوقهما من أكبر الكبائر.

ومن البرّ بالوالدين مخاطبتهما بالأدب والرفق والتواضع.

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: (وقل لهما قولا كريما ): أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما، ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. ...... فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله وسكناته ونظره. انتهى مختصرا.

فإن كان أخوك يسيء إلى والديه ويؤذيهما بسوء أدبه في مكالمته لهما؛ فالواجب عليك نهيه عن هذا المنكر، وأمره بالتأدب معهما، وتذكيره بحقّ الوالدين عليه، لكن لا يحقّ لك معاقبته بالضرب؛ فليس لك عليه ولاية تأديب.

وإذا نهيته عن المنكر فلم ينته؛ فيجوز لك هجره إذا رأيت أنّ الهجر ينفع في ردعه عن هذا المنكر. وأما إذا كان الهجر يزيده فسادا؛ فلا يجوز.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ..فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر فهي مشروعة. وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب فليست مشروعة. انتهى من مجموع الفتاوى.

واعلم أنّه ينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه رحمة ورأفة للعصاة، ويرجو لهم الهداية والتوبة، ولا ينافي ذلك إنكاره للمنكر وبغضه للمعصية، فإنه لا يكره العاصي لذاته، وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية.

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في طريق الهجرتين في مشاهد الناس في المعاصي: ...أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم. انتهى.

والأصل في النهي عن المنكر أن يكون برفق دون تعنيف، فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ. رواه مسلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ..جاء في الأثر عن بعض السلف، ورووه مرفوعا، ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به، رفيقا فيما ينهى عنه؛ حليما فيما يأمر به، حليما فيما ينهى عنه. انتهى.

فانصح لأخيك نصيحة مشفق، وادع الله أن يتوب عليه ويهديه لأحسن الأخلاق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني