الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أسباب الوقاية من الحسد

السؤال

عائلة أمي حسدة جدا، حتى في العلن، وهذا أدى لحدوث مصائب كثيرة في عائلتي من مشاجرات، وممتلكات مكسورة، وغيرها. فهل هناك حل للتخلص من أثر الحسد، مع العلم أننا لا نقدر على مقاطعة عائلة أمي؛ لأنها تحبهم، ونحن مجبرون على مقابلتهم؛ لأن جدي حالته سيئة في المستشفى على وشك الموت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز اتهام أحد بالحسد دون بينة ظاهرة، فالأصل إحسان الظن بالمسلم، وإذا فرض أنّ أقارب الأمّ يحسدونكم؛ فهذا ليس مسوِّغًا لقطعهم، فقطع الرحم حرام، بل هو من كبائر المحرمات، وعلاج الحسد والوقاية منه لا يكون بالقطيعة، فالحاسد قد يحسد في غيبة المحسود.

جاء في تفسير الألوسي: وذكروا أن العائن والحاسد يشتركان في أن كلًّا منهما تتكيف نفسه، وتتوجه نحو من تريد أذاه، إلّا أن العائن تتكيف نفسه عند مقابلة العين والمعاينة، والحاسد يحصل حسده في الغيبة والحضور. انتهى.

وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد أسبابًا نافعة لدفع الحسد، منها ما يلي "بتصرف":

-التعوذ بالله -تعالى- من شره، واللجوء، والتحصن به، واللجوء إليه.

- تقوى الله، وحفظه عند أمره، ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره.

-التوكل على الله {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق، وظلمهم، وعدوانهم.

- فراغ القلب من الاشتغال به، والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.

- تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فإن الله -تعالى- يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.

-الصدقة، والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء، ودفع العين، وشر الحاسد.

- ومنها: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد، والباغي، والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى، وشرا، وبغيا، وحسدا ازددت إليه إحسانا، وله نصيحة، وعليه شفقة، وما أظنك تصدق بأن هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه، فاسمع الآن قوله -عز وجل-: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

- ومنها: وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأن هذه آلات بمنزلة حركات الرياح، وهي بيد محركها، وفاطرها، وبارئها، ولا تضر، ولا تنفع إلا بإذنه، فهو الذي يمتحن عبده بها، وهو الذي يصرفها عنه وحده، لا أحد سواه. قال -تعالى-: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ}، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك، إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك، إلا بشيء كتبه الله عليك". انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني