السؤال
أسمع كثيرًا عن مصطلح الإرهاب، وأنه مذموم، فما المراد به؟ وهل هو خاص بالمسلمين؟ وهل يوجد في لغة الشرع ما يدل على مضمونه؟ وما حكم الشريعة في الإرهابيين؟ وكيف يمكن للمسلمين الحفاظ على مجتمعهم من شر ذلك الإرهاب؟
أسمع كثيرًا عن مصطلح الإرهاب، وأنه مذموم، فما المراد به؟ وهل هو خاص بالمسلمين؟ وهل يوجد في لغة الشرع ما يدل على مضمونه؟ وما حكم الشريعة في الإرهابيين؟ وكيف يمكن للمسلمين الحفاظ على مجتمعهم من شر ذلك الإرهاب؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن مصطلح (الإرهاب) ليس لفظًا شرعيًّا، ولا مصطلحًا فقهيًّا، فلم يرد في نصوص الكتاب، أو السنة، ولا استعمله العلماء السابقون في مدوناتهم، وإنما ورد في نصوص الشرع بمعناه اللغوي وهو التخويف.
وينبغي للمسلمين -لا سيما أهل العلم والفكر- أن يعبروا بالألفاظ الشرعية، وأن يجتنبوا ما أمكن استعمال الألفاظ المجملة؛ كمصطلح (الإرهاب)، وتعليق الأحكام بها.
وقد نبه المحققون من الأئمة إلى أهمية التعبير بالألفاظ الشرعية، وخطر الألفاظ المجملة، ووجوب التوقف في إثباتها، أو نفيها، وأن الطريقة الصحيحة في التعامل معها هو التفصيل في المعنى المراد بها، فما كان حقا قُبِل، وما كان باطلا، فإنه يُرَدُّ.
قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل في معرض بيانه للطريقة المثلى في التعامل مع الألفاظ المحدثة الطارئة على اللغة الشرعية:
ولهذا يوجد كثيرًا في كلام السلف والأئمة النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات...؛ لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق، وباطل، ففي إثباتها إثبات حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمنع من كلا الإطلاقين بخلاف النصوص الإلهية؛ فإنها فرقان، فرق الله بها بين الحق والباطل، ولهذا كان سلف الأمة، وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله -صلى الله عليه مسلم- هو الإمام، والفرقان الذي يجب اتباعه، فيثبتون ما أثبته الله ورسوله، وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعًا من إطلاقها: نفيًا، وإثباتًا، لا يطلقون اللفظ، ولا ينفونه، إلا بعد الاستفسار والتفصيل، فإذا تبين المعني أثبت حقه، ونفي باطله، بخلاف كلام الله، ورسوله، فإنه حق يجب قبوله .انتهى.
ومصطلح (الإرهاب) مصطلح ضبابي ليس له معنى محدد يضبط مدلوله، وسواء كان ذلك عن قصد من واضعيه، أم من غير قصد منهم، فقد تراد به معان مذمومة شرعا، وعقلا؛ كقتل الأبرياء، والحرابة، وغير ذلك.
وقد يوصم بالإرهاب من يقاوم المعتدي، ويدافع عن حقه المغتصَب، ولا شك أن هذا الدفاع عن الحقوق مما تقره الشرائع الأرضية، فضلا عن الشرائع السماوية، والعقول المنصفة العادلة.
ولذا يقول بعض القانونيين: قلما استخدمت في العلاقات الدوليّة المعاصرة كلمة، أو أسيء استخدامها على نحو تعسّفي أكثر من كلمة الإرهاب.
وقد استغل بعض الناس ضبابية المعنى المراد بالإرهاب، فسعوا إلى إلصاقه جزافا بكل من يخالفهم الرأي، أو الإيديولوجية، أو من لا يقبل ظلم الظلمة، وتجاوزاتهم. وكثير من العوام ينساق وراء تلك التهم بسبب الإعلام، دون تحرٍّ، أو تمحيص.
قال الناقد الأمريكي "مايكل بارينتي" في كتابه "اختراع، أو فبركة الحقيقة": إن تحديد من هو إرهابي، ومن ليس إرهابيًا أمر تقرره سياسة وسيلة الإعلام التي تصفه. انتهى.
وقد صدر بيان من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي يدعو فيه إلى ضبط معنى الإرهاب، ويذكر تقريبا موجزا لمعنى الإرهاب الذي تنهى عنه الشريعة الإسلامية.
جاء في نص البيان:
أولا: إنّ الإرهاب مصطلح لم يتّفق دوليًّا على تعريفٍ محدّدٍ له، يضبط مضمونه، ويحدّد مدلوله. لذا فإنّ مجلس المجمّع يدعو رجال الفقه، والقانون، والسياسة في العالم إلى الاتفاق على تعريف محدّد للإرهاب تتنزل عليه الأحكام، والعقوبات؛ ليتحقّق الأمن، وتقام موازين العدالة، وتصان الحريات المشروعة للناس جميعًا. وينبّه المجلس إلى أنّ ما ورد في قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60]، يعني إعداد العدّة للمسلمين؛ ليخافهم عدوهم، ويمتنع عن الاعتداء عليهم، وانتهاك حرماتهم، وذلك يختلف عن معنى الإرهاب الشائع في الوقت الحاضر. ويشير المجمّع في هذا الصدد إلى ما ورد في بيان مكة الصادر عن المجمع بأنّ الإرهاب: هو العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول بغيًا على الإنسان في دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه، ويشمل صنوف التخويف، والأذى، والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحِرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكلّ فعل من أفعال العنف، أو التهديد يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي، أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم، أو حريتهم، أو أمنهم، أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، والأملاك العامة، أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكلّ هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله -سبحانه وتعالى- المسلمين عنها، قال تعالى: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77].
ثانيًا: إنّ عدم الاتفاق على تعريف محدّد للإرهاب اتُخذ ذريعة إلى الطعن في أحكام قطعية من أحكام الشريعة الإسلامية، كمشروعية الجهاد، والعقوبات البدنية من حدود، وتعزيرات، وقصاص، كما اتُخذ ذريعة لتجريم من يدافع عن دينه، وعرضه، وأرضه، ووطنه ضدّ الغاصبين، والمحتلّين، والطامعين، وهو حقّ مشروع في الشرائع الإلهية، والقوانين الدولية.
ثالثًا: استنكار إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف -دين الرحمة، والمحبة، والسلام- ووصم معتنقيه بالتطرّف، والعنف، فهذا افتراء ظالم تشهد بذلك تعاليم هذا الدين، وأحكام شريعته الحنيفية السمحة، وتاريخ المسلمين الصادق النزيه .انتهى.
وهناك ألفاظ شرعية متعددة منضبطة المعاني، معروفة المدلولات، تغني عن استعمال هذا اللفظ الدخيل المبهم: لفظ الإرهاب، ومن ذلك:
1- الظلم، وهو عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل والجور، ومجانبة العدل، وهو من أقبح المعاصي، وأعجلها عقوبة في الدنيا، وأشدها في الآخرة، يقول الله -عز وجل-: أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ {هود:18}، ويقول الله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء {إبراهيم:42-43}، وقال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {الشورى:42}.
وقد حرم الله الظلم على نفسه، وجعله محرمًا بين عباده، فقال -سبحانه وتعالى- في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. رواه مسلم، وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ...، وهذا لفظ مسلم. وفي الصحيحين -أيضا- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.
وفي مسند الإمام أحمد، وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الإمام العادل، والصائم، حتى يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأنصرنك، ولو بعد حين.
ونصوص الوحي من القرآن والسنة؛ مليئة بالوعيد الشديد للظالمين.
2- والحرابة، والإفساد في الأرض، وغلظ الله العقوبة الدنوية لمرتكبي هذه الجريمة، فضلا عن العقوبة الأخروية، قال تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {المائدة:33}. وانظر حول تفاصيل أحكام الحرابة، الفتاوى التالية : 13010، 97897، 286354.
3- والبغي، وهو الظلم، والاعتداء وغمط الحق، وقد حرمه الله -تعالى- تحريما غليظا، فقال -سبحانه-: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}، والبغاة في المصطلح الفقهي هم الخارجون من المسلمين عن طاعة الإمام الحق بتأويل، ولهم شوكة. ويعتبر بمنزلة الخروج: الامتناع من أداء الحق الواجب الذي يطلبه الإمام، كالزكاة. ولهم أحكام مفصلة في كتب الفقه الإسلامي.
* وأما وسائل وقاية المجتمعات من تلك الجرائم:
- تحكيم الشريعة، وإقامة العدل بين الناس، فهي سبيل الأمن، والخير، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55}، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {الأعراف:96}، وأما الظلم، والاستبداد، وقهر الناس، فهي من أبرز أسباب ظهور الغلاة الذي يتدينون بالعدوان، وقتل الأبرياء.
- نشر الدعوة الإسلامية الصحيحة، وبث العلم الشرعي، فهو حصن حصين من الغلو. وأما التضييق على العلماء، والدعاة، وتحجيم الخطاب الشرعي، ومحاصرته، فهي إجراءات مؤدية لا محالة إلى خلو الساعة من الخطاب الشرعي المستبصر بنور الوحي المراعي لجلب المصالح، وتكثيرها، ودرء المفاسد، وتقليلها، وإذا خلت الساحة من هذا الخطاب الرباني، فلا مناص من ارتفاع صوت الجهل المدفوع بالظروف السيئة التي تعيشها شعوب كثيرة، تمارس عليها فيها أنواعُ الظلم، والاستبداد، وقهر الناس بغير حق، فلا جرم حينئذ أن يبرز الغلاة، والمتطرفون، وتجار الفنتة.
- تربية الناس على التدين الصحيح، الذي يعظّم حقوق العباد -في الجسد، والمال، والعرض- ويشدد في شأن العدوان عليها، فبعض الخطابات -للأسف- تركز على جانب العبادات، والشعائر، وتهمل جانب حقوق العباد، ومظالمهم.
- صيانة مجتمعات المسلمين من الانحلال، والفجور، والفسق، فشيوع هذه المظاهر ربما يؤدي إلى تبني البعض نهج الغلو، كردة فعل على الانحلال.
- مناصرة قضايا المسلمين المضطهدين، واستنكار جرائم الدول المعتدية على المسلمين، وأما السكوت عن ذلك، والرضا به، أو تأييد المعتدين، فهو يعطي الذريعة لخطابات الغلو، والتطرف المذموم.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني