السؤال
قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ـ هذه الآية تمثل تحديًا لليهود بأنهم إذا كانوا على حق، فإنهم سيرغبون في الموت، أريد أن أعرف: هل هذه الآية كانت خاصة بهؤلاء اليهود في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم أنها تتحدى جميع اليهود بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية جاءت في خطاب اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم تدعوهم للمباهلة، قال ابن كثير في تفسيره: قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ـ أي: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ـ أي: بعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات، وقال الضحاك، عن ابن عباس: فتمنوا الموت ـ فسلوا الموت، وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، قوله: فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ـ قال: قال ابن عباس: لو تمنى اليهود الموت لماتوا، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا عثام، سمعت الأعمش -قال: لا أظنه إلا عن المنهال، عن سعيد بن جبير-عن ابن عباس، قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه، وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس.... هذا الذي فسر به ابن عباس الآية هو المتعين، وهو الدعاء على أي الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة، ونقله ابن جرير عن قتادة، وأبي العالية، والربيع بن أنس -رحمهم الله- ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة: قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون {الجمعة: 6-8} فهم -عليهم لعائن الله- لما زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ـ دعوا إلى المباهلة، والدعاء على أكذب الطائفتين منهم، أو من المسلمين، فلما نكلوا عن ذلك علم كل أحد أنهم ظالمون؛ لأنهم لو كانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك، فلما تأخروا علم كذبهم، وهذا كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة، وعتوهم وعنادهم إلى المباهلة، فقال تعالى: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين {آل عمران: 61} فلما رأوا ذلك قال بعض القوم لبعض: والله لئن باهلتم هذا النبي لا يبقى منكم عين تطرف، فعند ذلك جنحوا للسلم، وبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فضربها عليهم، وبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- أمينا... اهـ.
وراجع الفتوى: 161575.
والله أعلم.