السؤال
من باب إلزام نفسي بورد قرآني يومي. عاهدت الله على أن أقسم كل جزء من القرآن كل يوم على الصلوات الخمس، أي بعد كل صلاة أقرأ خمس صفحات، على أساس أن أنهي جزءا كل يوم. وعاهدت الله على أني لو لم أتمم الورد سأدفع 100 جنيه عن عدم إتمام الورد، حتى أشجع نفسي. ولا أتذكر هل نذرت دفع 100 جنيه بعد عدم إتمام الورد بعد كل صلاة، أو على عدم إتمام الورد اليومي. وللأسف لم ألتزم بالأمر، وأنا خائفة من الوعد الذي قطعته، والنذر الذي نذرته، ولم أقم بالوفاء به.
فكيف أجعل نفسي في حِلٍّ -جزاكم الله خيرا- حتى يرضى عني ربي؛ لأني خائفة أن يكون ربي غاضبًا علي.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى: 110306. بيان مذاهب العلماء فيمن قال: أعاهد الله على كذا، ورجحنا أنه إن التزم بها قربة وطاعة فهي نذر ويمين، وإن التزم بها ما ليس بقربة، فهي يمين لا نذر.
وحيث إنك قصدت بذلك حث نفسك على الالتزام بالورد المحدد، فإنه يأخذ حكم نذر اللجاج والغضب، وهو كاليمين من حيث التخيير بين البِرِّ به، وبين إخراج الكفارة.
قال ابن قدامة في المغني: إذا أخرج النذر مخرج اليمين، بأن يمنع نفسه، أو غيره به شيئا، أو يحث به على شيء، مثل أن يقول: إن كلمت زيدا، فلله عليّ الحج، أو صدقة مالي، أو صوم سنة. فهذا يمين، حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه، فلا يلزمه شيء، وبين أن يحنث، فيتخير بين فعل المنذور، وبين كفارة يمين، ويسمى نذر اللجاج والغضب، ولا يتعين عليه الوفاء به، وإنما يلزم نذر التبرر.
وهذا قول عمر، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت أبي سلمة. وبه قال عطاء، وطاوس، وعكرمة، والقاسم، والحسن، وجابر بن زيد، والنخعي، وقتادة، وعبد الله بن شريك، والشافعي، والعنبري، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر...
وقال أبو حنيفة، ومالك: يلزمه الوفاء بنذره؛ لأنه نذر، فيلزمه الوفاء به، كنذر التبرر. وروي نحو ذلك عن الشعبي.
ولنا، ما روى عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين». رواه سعيد بن منصور، والجوزجاني، في "المترجم".
وعن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف بالمشي، أو الهدي، أو جعل ماله في سبيل الله، أو في المساكين، أو في رتاج الكعبة، فكفارته كفارة اليمين».
ولأنه قول من سَمَّينا من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم، ولأنه يمين، فيدخل في عموم قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: 89]. ودليل أنه يمين، أنه يسمى بذلك، ويسمى قائله حالفا، وفارق نذر التبرر؛ لكونه قصد به التقرب إلى الله -تعالى- والبر، ولم يخرجه مخرج اليمين، وها هنا خرج مخرج اليمين، ولم يقصد به قربة ولا بِرًّا، فأشبه اليمين من وجه، والنذر من وجه، فخير بين الوفاء به، وبين الكفارة. اهـ.
وعليه: فإنك تخيرين بين الصدقة بالمبلغ الذي ذكرتِه، وبين إخراج كفارة يمين.
والمعاهدة تنحل بالحنث فيها أول مرة، فلا تتكرر الكفارة بتكرر الفعل، إلا إن نويت تكرر الحنث، أو كان في لفظ المعاهدة ما يقتضي التكرار مثل (كلما).
قال ابن جزي في القوانين الفقهية: ولا يتكرر الحنث بتكرار الفعل، إلا إذا أتى بصيغة تقتضي التكرار، كقوله: كلما، ومتى وشبه ذلك، أو يقصد التكرار. اهـ.
والله أعلم.