السؤال
كنت قد قرأت في موقعكم عن الولاية على المرأة البالغة في غير التزويج، حيث ذهب الحنفية والحنبلية إلى أن الولاية عليها تدوم إلى أن تتزوج، فتنتقل الولاية إلى زوجها. أما الشافعية: فقد ذهبوا إلى أن الولاية على الذكر والأنثى البالغين تنتهي ببلوغهما، ولكني وددت لو أنكم ذكرتم دليل كل واحد منهم، حتى أعرف من الذي أتبعه؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمذهب الحنفية أنّ البكر البالغة حديثة السنّ؛ تكون في ولاية أبيها -الولاية على النفس-، فيضمّها إليه، ولا يأذن لها بالانفراد.
أمّا الكبيرة ذات العقل والرأي؛ فلها أن تنفرد عن أبيها إذا كانت مأمونة.
قال ابن نجيم -رحمه الله- في البحر الرائق: ومتى كانت الجارية بكرا يضمها إلى نفسه، وإن كان لا يخاف عليها الفساد، إذا كانت حديثة السن، أما إذا دخلت في السن، واجتمع لها رأي وعقلت، فليس للأولياء حق الضم، ولها أن تنزل حيث أحبت، حيث لا يتخوف عليها. انتهى.
وحجتهم في ذلك؛ أنّ البكر حديثة السنّ مطمع لكل طامع، وليس لها من الخبرة ما يمنعها من الانخداع.
قال الكاساني -رحمه الله- في بدائع الصنائع، في ترتيب الشرائع: وإن كانت بكرا لا يخلي سبيلها، وإن كانت مأمونة على نفسها؛ لأنها مطمع لكل طامع، ولم تختبر الرجال، فلا يؤمن عليها الخداع. انتهى.
ومذهب المالكية، والصحيح عند الحنابلة؛ أنّ الولاية على البكر البالغة لا تنتهي إلا بدخول الزوج بها، ففي المذهب المالكي؛ جاء في لوامع الدرر، في هتك أستار المختصر: وأما الصبية: فيستمر الحجر عليها بالنسبة لنفسها إلى سقوط حضانتها بالبناء بها. انتهى.
وحجتهم في ذلك؛ حاجة البنت إلى الحفظ والرعاية أكثر من الابن، فقد جاء في المعونة على مذهب عالم المدينة:
يحضن الغلام إلى أن يبلغ، والجارية إلى أن تنكح ويدخل بها زوجها..... لأن الابنة تحتاج إلى الحفظ والمراعات إلى أكثر مما يحتاج إليه الابن، وبلوغها لا يزيل ذلك، لأنها معرضة للأزواج، وبنفس بلوغها لا تعرف مصالح نفسها، والأزواج يرغبون فيمن يكنفها أبوها وأمها، ومن لم تخرج عن حضانتهما ومراعاتهما أكثر من رغبتهم في المتخلية بنفسها، فكانت المصلحة لها في تبقية حق الحضانة عليها. انتهى.
وفي المذهب الحنبلي؛ جاء في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: إذا بلغت الجارية عاقلة، وجب عليها أن تكون عند أبيها حتى يتسلمها زوجها، وهذا الصحيح من المذهب. انتهى.
وحجتهم في ذلك شبيهة بحجة المالكية: وهي أنّ البنت لا يؤمن عليها الفساد إذا انفردت عن أبويها، قال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: ولا تثبت الحضانة إلا على الطفل، أو المعتوه، فأما البالغ الرشيد، فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه، فإن كان رجلا، فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما، وإن كانت جارية لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه؛ لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب، فلوليها وأهلها منعها من ذلك. انتهى.
ومذهب الشافعية المعتمد عند المتأخرين؛ أنّ الولاية على البنت تنتهي بالبلوغ.
قال الخطيب الشربيني -رحمه الله- في مغني المحتاج: وإن كان أنثى، فإن بلغت رشيدة، فالأولى أن تكون عند أحدهما حتى تتزوج إن كانا مفترقين، وبينهما إن كانا مجتمعين؛ لأنه أبعد عن التهمة، ولها أن تسكن حيث شاءت ولو بأجرة، هذا إذا لم تكن ريبة. انتهى.
واعلمي أنّ فرض العامي عند اختلاف أقوال العلماء؛ أن يتبع قول من يثق به من أهل العلم والديانة، وراجعي التفصيل في الفتوى: 229444.
والله أعلم.