الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما السؤال الأول، فجوابه يتفرع على من له حق الحضانة منكما.
فقد ذكر الفقهاء أن الأم إذا سافرت سفر نُقْلَة، سقطت حضانتها، وكانت حضانة الأولاد لأبيهم، فالأمر -حينئذ إلى أبيهم- وعليهم طاعته إن أمرهم بالرجوع والإقامة عنده، ويكونون عاقين إن عصوه. وانظر الفتوى: 76166.
ولكن ههنا أمر وهو أنه ينبغي مراعاة مصلحة المحضون في مثل هذا، كما ذكر بعض العلماء.
ومن ذلك ما قاله ابن القيم في زاد المعاد، حيث قال بعد ذكر أقوال العلماء في المسألة: وهذه أقوالٌ كُلها كما ترى لا يقوم عليها دليلٌ يسكن القلبُ إليه.
فالصوابُ النظر والاحتياط للطفل في الأصلح له والأنفع مِن الإِقامة أو النقلة، فأيُّهما كان أنفعَ له وأصونَ وأحفظَ، روعي، ولا تأثيرَ لإِقامة ولا نقلة. اهـ.
وهذا كله فيما إن كان الأولاد في سن الحضانة، وإن كان منهم بالغ فإنه لا حضانة له، فله أن ينتقل ليقيم حيث شاء ما كان مأمونا عليه في ذلك.
قال ابن قدامة في المغني: وَلَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ إلَّا عَلَى الطِّفْلِ أَوْ الْمَعْتُوهِ، فَأَمَّا الْبَالِغُ الرَّشِيدُ، فَلَا حَضَانَةَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ الْخِيرَةُ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا، فَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ عَنْهُمَا، وَلَا يَقْطَعَ بِرَّهُ عَنْهُمَا.... اهـ.
وإن حصل نزاع في أمر الحضانة واستحقاقها، ووجود ما يسقطها كالسفر أو عدم أهلية الحاضن، فالفيصل المحكمة الشرعية. وينبغي للوالدين التوافق قدر الإمكان، ومراعاة مصلحة الأولاد.
وأما السؤال الثاني، فجوابه أنه تجب عليك النفقة على أولادك ما كانوا صغارا لا مال لهم، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه العلم أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. انتهى.
واختلفوا فيما إذا كان الأولاد فقراء بالغين، وقادرين على الكسب، وقد رجحنا في الفتوى: 139301قول من ذهب إلى عدم وجوب الإنفاق عليهم في هذه الحالة، وهو قول الجمهور.
وفي الحال الذي تجب فيه النفقة، ليس من حق الوالد أن يمتنع من الإنفاق عليهم عقوبة لهم على عصيانهم له.
وينبغي أن ينفق عليهم في حال فقرهم وبلوغهم وقدرتهم على الكسب؛ ليحصل على أجر الصدقة والصلة، ففي الحديث الذي رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن سلمان بن عامر الضبي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القرابة اثنتان: صدقة وصلة.
ولعل ذلك يحملهم على البر والطاعة.
والله أعلم.